قولهم: ربنا آمنا فاكتبنا مع الشاهدين، معبرًا عما في قلوبهم من خالص الإيمان وصحيح الاعتقاد.
وقرأ الحسن (?): {فآتاهم} من الإيتاء بمعنى: الإعطاء، لا من الإثابة، والإثابة أبلغ من الإعطاء؛ لأنه يلزم أن يكون عن عمل، بخلاف الإعطاء فإنه لا يلزم أن يكون عن عمل، ولذلك جاء أخيرًا {وَذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ} نبَّه على أن تلك الإثابة هي جزاء، والجزاء لا يكون إلا عن عمل. {جَنَّاتٍ} وحدائق في دار النعيم {تَجْرِي} وتسيل {مِنْ تَحْتِهَا}؛ أي: من تحت أشجارها الوارفة الظلال، وفي قصورها الرفيعة {الْأَنْهَارُ} الأربعة: الماء واللبن والخمر والعسل {خَالِدِينَ فِيهَا}؛ أي: مقدرين الخلود فيها أبدًا، فلا يسلبها منهم أحد، ولا هم يرغبون عنها {وَذَلِكَ} الجزاء المذكور من الجنات الموصوفة {جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ}؛ أي: جزاء الذين أخلصوا عقائدهم، وأحسنوا أعمالهم، وعلينا أن نقف في وصف نعيم الآخرة على ما جاء به القران الكريم وصحت به السنة النبوية، ولا نعدوا ذلك إلى ما وراءه، فإن النعيم الروحاني والرضوان الإلهي لا يمكن أن يعبِّر عنه الكلام، ولا يحيط به الوصف، فنحن في عالم يخالف ذلك العالم في أوصافه وخواصه، مهما أكثرنا من الوصف فلا نصل إلى شيء مما أعده الله لهم هناك: {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (17)}.
86 - وبعد أن بيَّن سبحانه ما أعد لعباده المحسنين من عظيم الثواب جزاء صادق إيمانهم .. ذكر جزاء المسيئين إلى أنفسهم بالكفران والتكذيب؛ جريًا على سنة القرآن في الجمع بين الوعد والوعيد، قال: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا} وجحدوا توحيد الله، وأنكروا نبوة محمد - صلى الله عليه وسلم - {وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا} القرانية {أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ}؛ أي: أصحاب النار الشديدة الحرارة وسكانها المقيمون فيها, لا يبرحون عنها أبد الآبدين، والجحيم والجاحم ما اشتد حره من النار.