أمرنا آمنا، وصدقنا بهذا الكتاب النازل من عندك على محمد - صلى الله عليه وسلم -، وبمن أنزلته عليه، وشهدنا أنه حق {فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ}؛ أي: من الذين شهدوا بأنه حق، أو بنبوته، أو من أمته الذين هم شهداء على الأمم يوم القيامة؛ أي: فاكتبنا مع الذين يشهدون بحقية نبيك محمد - صلى الله عليه وسلم - وكتابك.
والمعنى (?): يقولون هذه المقالة قاصدين بها إنشاء الإيمان والتضرع إلى الله تعالى، والخضوع له بأن يتقبله منهم، ويكتبهم مع أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - الذين جعلهم الله تعالى شهداء على الناس؛ لأنهم كانوا يعلمون من كتبهم ومما يتناقلونه عن أسلافهم أن النبي الكريم الذي يكمل به الدين، ويتم به التشريع العام، يكون متبعوه شهداء على الناس، ويكونون حجة على المشركين والمبطلين، كما جاء في الآية الأخرى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا}.
84 - ثم زادوا كلامهم توكيدًا فقالوا: {وَمَا لَنَا لَا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا جَاءَنَا مِنَ الْحَقّ} والاستفهام فيه استفهام استبعاد وإنكار؛ أي: وأيُّ مانع يمنعنا من الإيمان بالله الذي لا إله إلا هو، ويصدنا عن اتباع ما جاءنا من الحق على لسان هذا النبي الكريم بعد أن ظهر لنا أنه هو روح الحق الذي بشر به المسيح {وَنَطْمَعُ أَنْ يُدْخِلَنَا رَبُّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ}؛ أي: وإننا لنطمع ونرجو بذلك الإيمان أن يدخلنا ربنا ويكتبنا مَعَ القوم الذين صلحت أنفسهم بالعقائد الصحيحة, والفضائل والآداب الكاملة، وهم أتباع هذا النبي الكريم الذين استبان لنا أثر صلاحهم، وشاهدناه بأعيننا بعد ما كان منهم من فساد في الأرض، وعتو كبير في جاهليتهم.
والخلاصة: أنه لا مانع لنا من هذا الإيمان بعد أن تظاهرت أسبابه، وتحققت موجباته، فوجب علينا الجري على سننه واتباع نهجه وطريقه.
85 - ثم بين سبحانه ما جازاهم به على ذلك فقال: {فَأَثَابَهُمُ اللَّهُ}؛ أي: فجزاهم الله وأعطاهم من الثواب {بِمَا قَالُوا}؛ أي: بسبب ما قالوا ونطقت به ألسنتهم من