قلتُ: هذا في الزمان الأول، وإلا فالآن المسلمون في الحبشة ثمانون في المئة، حتى تداول فيها سبعون أميرًا من أمراء السلمين قبل أن يأخذها استئمار الأمحار بمساعدة الأوروبيين لهم على محاربة المسلمين.
وإنما أسند (?) تسميتهم نصارى إليهم دون تسمية اليهود؛ للإشعار بقرب مودتهم، حيث يدَّعون أنهم أنصار الله، وأَوِدَّاءُ أهل الحق، وإن لم يظهروا اعتقاد حقية الإِسلام، فتسميتهم نصارى ليست حقيقة، بخلاف تسمية اليهود يهودًا فإنها حقيقة، سواء سموا بذلك لكونهم أولاد ابن يعقوب: يهودا، أو لكونهم تابوا عن عبادة العجل، أو لترجيعهم في دراستهم إن قلنا: من تهود بمعنى: رجع ومطّط في الدراسة، ولكن ما رأينا في كتب اللغة: تهود بمعنى: تحرك في الدراسة، كما قاله أبو العلاء المعري.
فإن قلت: كافر (?) النصارى أشد من كفر اليهود؛ لأن النصارى ينازعون في الألوهية، فيدعون لله ولدًا، واليهود إنما ينازعون في النبوة، فينكرون نبوة بعض الأنبياء، فلِمَ ذم اليهود ومدح النصارى؟
قلتُ: هذا مدح في مقابلة ذم، وليس مدحًا على الإطلاق، وأيضًا الكلام في عداوة المسلمين وقرب مودتهم، لا في شدة الكفر وضعفه، وقد قال بعضهم: مذهب اليهود أنه يجب عليهم إيصال الشر والأذى إلى من خالفهم في الدين، ومذهب النصارى أن الأذى حرام، فحصل الفرق بين اليهود والنصارى كما مر آنفًا.
وقيل: إن اليهود مخصوصون بالحرص الشديد، وطلب الرياسة، ومن كان كذلك .. كان شديد العداوة لغيره، وأما النصارى: فإن فيهم من هو معرض عن الدنيا ولذاتها، وترك طلب الرياسة، ومن كان كذلك .. فإنه لا يحسد أحدًا، ولا يعاديه، بل يكون ألين عريكة - أخلاقًا - في طلب الحق، فلهذا قال: {ذَلِكَ}؛ أي: كونهم أقرب مودة للمؤمنين {بِأَنَّ مِنْهُمْ}؛ أي: بسبب أن منهم {قِسِّيسِين}؛ أي: علماء {وَرُهْبَانًا}؛ أي: عبادًا، أصحاب صوامع {وَأَنَّهُمْ لَا