وأجل الفرائض الشرعية، ولهذا كان تاركه شريكًا لفاعل المعصية، ومستحقًا لغضب الله وانتقامه، كما وقع لأهل السبت، فإن الله سبحانه وتعالى مسخ من لم يشاركهم في الفعل، ولكن ترك الإنكار عليهم، كما مسخ المعتدين، فصاروا جميعًا قردة وخنازير. {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ (37)}. أخرجه الترمذي عنه فقال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لما وقعت بنو إسرائيل في المعاصي نهتهم علماؤهم فلم ينتهوا، فجالسوهم في مجالسهم، وآكلوهم وشاربوهم، فضرب الله قلوب بعضهم ببعض، ولعنهم على لسان داود وعيسى ابن مريم، ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون - وجلس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكان متكئًا فقال: - لا والذي نفسي بيده حتى تأطروهم على الحق أطرًا". قال الترمذي: هذا الحديث حسن غريب. قوله: أكيله وشريبه وقعيده هو المؤاكل والمشارب والمقاعد، فعيل بمعنى فاعل. وقوله: لتأطرنه، الإطراء: العطف، يعني لتعطفنه ولتردنه إلى الحق الذي خالفه، والقسر: القهر على الشيء. كما مرّ آنفًا.
وأخرج الخطيب من طريق أبي سلمة عن أبيه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "والذي نفس محمد بيده ليخرجن ناسٌ من أمتي من قبورهم في صورة القردة والخنازير بما داهنوا أهل المعاصي وكفوا عن نهيهم وهم يستطيعون".
والآثار في هذا الباب كثيرة، وفيها وعيد عظيم على ترك التناهي {فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} وإلى متى نعرض عن أوامر ديننا ولا نرعوي عن غيّنا، ولا نتبع أوامر شرعنا.
80 - وبعد أن ذكر الله تعالى لنبيه أحوال أسلافهم، ذكر له أحوال حاضريهم مما يدل على رسوخ تلك الملكات فيهم فقال: {تَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ}؛ أي: تبصر يا محمد كثيرًا من أهل الكتاب، ككعب بن الأشرف وأصحابه {يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا}؛ أي: يوالون ويصادقون كفار أهل مكة، أبا سفيان وأصحابه، بغضًا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وللمؤمنين؛ أي: فإن كعبًا وأضرابه خرجوا إلى مشركي مكة ليتفقوا على محاربة النبي - صلى الله عليه وسلم -.
والمعنى: ترى أيها الرسول الكريم كثيرًا من بني إسرائيل يتولون الذين كفروا من مشركي قومك، ويحالفونهم عليك ويحرضونهم على قتالك، وأنت