[154]

{بِظُلْمِهِمْ}، أي: تعنتهم وسؤالهم لما يستحيل وقوعه شرعًا في ذلك الوقت، وهو رؤية الله جهرة، وذلك لا يستلزم امتناعها يوم القيامة؛ فقد جاءت بذلك الأحاديث المتواترة، ومن استدل بهذه الآية على امتناع الرؤية يوم القيامة فقد غلط غلطًا بينًا، ولو طلبوا أمرًا جائزًا .. لما سموا ظالمين، ولما أخذتهم الصاعقة، كما سأل إبراهيم عليه السلام أن يريه إحياء الموتى، فلم يسمه ظالمًا ولا رماه بالصاعقة {ثُمَّ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ} معطوف على محذوف، تقديره: فأحييناهم بعد موتهم بالصاعقة، ثم بعد إحيائهم اتخذوا العجل الذي صاغه موسى السامري إلهًا، وعبدوه {مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ} والمعجزات على يد موسى عليه السلام من اليد والعصا وفلق البحر وغيرها {فَعَفَوْنَا} وسامحنا لهم {عَنْ ذَلِكَ} الذنب العظيم حين تابوا، وتركنا عبدة العجل فلم نستأصلهم.

والمقصود من هذا (?): تسلية النبي - صلى الله عليه وسلم - , والمعنى: أنَّ هؤلاء الذين يطلبون منك يا محمَّد أن تنزل عليهم كتابًا من السماء إنما يطلبونه عنادًا ولجاجًا، فإني قد أنزلت التوراة جملة واحدة على موسى، وآتيته من المعجزات الباهرات والآيات البينات ما فيه كفاية، ثم إنهم طلبوا الرؤية على سبيل العناد، وعبدوا العجل، وكل ذلك يدل على جهلهم وأنهم مجبولون على اللجاج والعناد. وفي قوله: {فَعَفَوْنَا عَنْ ذَلِكَ} استدعاء إلى التوبة.

والمعنى: أنَّ أولئك الذين أجرموا لما تابوا .. عفونا عنهم، فتوبوا أنتم نعف عنكم {وَآتَيْنَا مُوسَى سُلْطَانًا مُبِينًا}؛ أي: وأعطينا موسى قهرًا ظاهرًا وتسلطًا بيِّنًا عليهم، فإنه أمرهم بقتل أنفسهم توبة من عبادة العجل، فبادروا إلى الامتثال، فقتل منهم سبعون ألفًا في يوم واحد، وفي هذا بشارة للنبي - صلى الله عليه وسلم - بأن هؤلاء الكفار وإن كانوا يعاندون فإنك ستغلب عليهم آخرًا وتقهرهم.

154 - ثم حكى الله تعالى عنهم سائر جهالاتهم وإصرارهم على أباطيلهم، وقد تقدم بعضها في سورة البقرة، فقال: {وَرَفَعْنَا فَوْقَهُمُ}؛ أي: قلعنا ورفعنا وحبسنا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015