الدرك} بفتح الراء، وقرأ الأخوان حمزة والكسائي والأعمش ويحيى بن وثاب بسكونها، واختلف عن عاصم، وروى الأعمش والبرجمي الفتح، وغيرهما الإسكان، وقال أبو علي: وهما لغتان كالشمْع والشمَع،
146 - ثم استثنى الله سبحانه وتعالى من المنافقين الذين استحقوا الدرك الأسفل من النار فقال: {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا} عن النفاق {وَأَصْلَحُوا} ما أفسدوا من أسرارهم وأحوالهم {وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ}؛ أي: تمسكوا بدين الله وكتابه، ووثقوا بوعده {وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ} وعملهم وعبادتهم {لِلَّهِ} سبحانه وتعالى، وأرادوا به وجه الله تعالى، ولم يريدوا رياء ولا سمعة، فهذه الأمور الأربعة إذا حصلت فقد كمل الإيمان, ولما (?) كان المنافق متصفًا بنقائض هذه الأوصاف من الكفر، وفساد الأعمال، والموالاة للكافرين، والاعتراز بهم، والمراءاة للمؤمنين .. شرط في توبتهم ما يناقض تلك الأوصاف، وهي التوبة من النفاق، وهو الوصف المحتوي على بقية الأوصاف من حيث المعنى، ثم فصل ما أجمل فيها، وهو الإصلاح للعمل المستقبل المقابل لفساد أعمالهم الماضية، ثم الاعتصام بالله في المستقبل، وهو المقابل لموالاة الكافرين والاعتماد عليهم في الماضي، ثم الإخلاص لدين الله، وهو المقابل للرياء الذي كان لهم في الماضي، ثم بعد تحصيل هذه الأوصاف جميعها، أشار إليهم بأنهم مع المؤمنين فقال: {فَأُولَئِكَ} التائبون الموصوفون بهذه الصفات المذكورة من المنافقين كائنون {مَعَ الْمُؤْمِنِينَ} المخلصين، الذين لم يصدر منهم نفاق أصلًا منذ آمنوا؛ أي: فأولئك مصحبون بالمؤمنين في أحكام الدنيا والآخرة، وفي الدرجات العالية من الجنة؛ لأنهم آمنوا كإيمانهم، وعملوا كعملهم، فيجزون جزاءهم، ولم يحكم عليهم بأنهم المؤمنون ولا من المؤمنين، وإن كانوا قد صاروا مؤمنين، تنفيرًا مما كانوا عليه من عظم كفر النفاق، وتعظيما لحال من كان ملتبسا بها، ومعنى مع المؤمنين رفقاؤهم ومصاحبوهم في الدارين كما مر آنفا.
والخلاصة (?): أن هذا الجزاء الشديد - الذي أعده الله للمنافقين - لا يكون للذين تابوا من النفاق والكفر، وندموا على ما فرط منهم وأتبعوا ذلك بأمور ثلاثة: