الكافرين عليهم، اعتقادًا منهم أن أمر محمَّد لا يتم، وأن الدولة والغلبة للكافرين، وأن العزة لهم، {أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ}؛ أي: أيطلبون بموالاة الكفار الغلبة والقوة عندهم، والاستفهام إنكاري؛ أي: لا عزة للكفار، فكيف تبتغي عندهم العزة، {فَإِنَّ الْعِزَّةَ} والغلبة والقوة كائنة هي {لِلَّهِ} سبحانه وتعالى، حالة كونها {جَمِيعًا}؛ أي: في الدنيا والآخرة، يؤتيها من يشاء، فعليهم أن يطلبوها من الله تعالى بصادق إيمانهم، واتباعهم هدايته التي أرشد إليها أنبياءه، وبينوا لهم أسبابها، وقد آتاها المؤمنين حينما اهتدوا بكتابه، وساروا على سننه، ونهجوا نهجه، فلما أعرضوا عن هذه الهداية التي اعتز بها أسلافهم .. ذلوا وخضعوا لأعدائهم، وصار منهم منافقون، يوالون الكافرين، يبتغون عندهم عزة وشرفًا، وما هم لها بمدركين، والمقصود من هذا التهييج على طلب العزة من جناب الله تعالى.
وبعدئذ نهى المؤمنين أن يجلسوا مع من ينتقص الدين، ويزدري بأحكامه فقال: {وَقَدْ نَزَّلَ} الله سبحانه وتعالى {عَلَيْكُمْ} يا معشر المؤمنين {فِي الْكِتَابِ}؛ أي: في القرآن في سورة الأنعام في مكة {أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا}؛ أي: أنزل عليكم أنه إذا سمعتم آيات الله مكفورًا بها ومستهزأ بها؛ أي: سمعتم القرآن يكفر به الكافرون، ويستهزىء به المستهزؤون .. {فَلَا تَقْعُدُوا}؛ أي: فلا تجلسوا {مَعَهُمْ}؛ أي: مع الكافرين الذين يستهزؤون، ويسخرون بالقرآن {حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ}؛ أي: حتى يشرعوا ويشتغلوا بحديث في غير القرآن، ويتركوا الخوض فيه {إِنَّكُمْ} أيها المؤمنون {إِذًا}؛ أي: إذا قعدتم معهم، واستمعتم حديثهم في استهزاء القرآن {مِثْلُهُمْ}؛ أي: مثل الكافرين في الاستهزاء والكفر به؛ أي: تكونون شركاء لهم في الكفر، لأنكم رضيتم به، ووافقتموهم عليه. قال البيضاوي: إذا هنا ملغاة لوقوعها بين الاسم والخبر، ولذلك لم يذكر بعدها الفعل، وإفراد {مِثْلُهُمْ} لأنه كالمصدر، أو للاستغناء بالإضافة إلى الجمع انتهى. وهذه الجملة مستأنفة مسوقة لتعليل النهي غير داخلة تحت التنزيل. وقرىء شاذًا: {مِثْلُهُمْ} بالفتح، وهو مبني لإضافته إلى المبهم، كما بني في قوله: {مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ}، ويذكر في موضعه إن شاء الله