يقبل منهم ولم يغفر لهم.
والمعنى: أنَّ هؤلاء قد استبان من ذبذبتهم واضطراب أحوالهم من إيمان إلى كفر ثم من كفر إلى إيمان وهكذا، إنهم قد فقدوا الاستعداد لفهم حقيقة الإيمان، وفقه مزاياه وفضائله، ومثلهم لا يرجى لهم بحسب سنن الله في خليقته أن يهتدوا إلى الخير، ولا أن يسترشدوا إلى نافع، ولا أن يسلكوا سبيل الله، فجدير بهم أن يمنع الله عنهم رحمته، ورضوانه ومغفرته وإحسانه؛ لأن أرواحهم قد دنست، وقلوبهم قد عميت، فلم تكن محلًا للمغفرة، ولا للرجاء في ثواب، والله أرحم الراحمين واسع المغفرة، لم يكن ليحرم أحدًا المغفرة والهداية بمحض الخلق والمشيئة وإنما مشيئته مقترنة بحكمته، وقد جرت سنة الله وحكمته الأزلية بأن يكون كسب البشر لعلومهم وأعمالهم مؤثرًا في نفوسهم، فمن طال عليه أمد التقليد .. حجب عن عقله نور الدليل، ومن طال عليه عهد الفسوق والعصيان .. حرم من أسباب الغفران التي ذكرها الله سبحانه وتعالى في قوله: {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى (82)} ولا شك أن المغفرة وهي محو أثر الذنب من العبد إنما تكون بتأثير التوبة والعمل الصالح، الذي يزيل ما علق في النفس من تلك الآثام، كما قال تعالى: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ}.
138 - {بَشِّرِ}؛ أي: أخبر يا محمَّد {الْمُنَافِقِينَ}، وأنذرهم {بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا}؛ أي: مؤلمًا، البشارة لا تستعمل غالبًا إلا في سارِّ الأخبار، إذ هي مأخوذة من انبساط بشرة الوجه، فاستعمالها في الأخبار السيئة يكون من باب التهكم والتوبيخ؛ أي: بشر المنافقين بالعذاب المؤلم، الذي لا يقدر قدره ولا يحيط بكنهه إلا علام الغيوب،
139 - ثم بين بعض صفاتهم التي تستوجب لهم الذم فقال: {الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ}؛ أي: هؤلاء المنافقون هم الذين يتخذون ويجعلون الكافرين المجاهرين بالكفر المعادين للمؤمنين أولياء وأنصارًا لأنفسهم {مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ} حال من فاعل {يَتَّخِذُونَ}؛ أي: يتخذون الكفرة أنصارًا حالة كونهم متجاوزين في اتخاذهم اتخاذ المؤمنين؛ أي: قاصرين في الموالاة والمناصرة على الكافرين، معرضين عن موالاة المؤمنين، وتاركين لها، ويمالؤون