البحر، يا عبادي: إنما هي أعمالكم أحصيها لكم، ثم أوفيكم إياها، فمن وجد خيرًا .. فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك .. فلا يلومن إلا نفسه". رواه مسلم.
132 - ثم أعاد ما سلف لزيادة التوكيد فقال: {وَلِلَّهِ} سبحانه وتعالى، لا لغيره {مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ} خلقًا وملكًا، يتصرف فيهما كيفما شاء، إيجادًا وإعدامًا وإحياء وإماتة {وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا}؛ أي: وكفى به سبحانه وتعالى قيمًا وكفيلًا يوكل به، ويفوض إليه أمر العباد في أرزاقهم وأقواتهم وسائر شؤونهم،
133 - {إِنْ يَشَأ}؛ أي: إن يرد الله سبحانه وتعالى إعدامكم واستئصالكم .. {يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ}؛ أي: يستأصلكم ويعدمكم بالمرة أيها المشركون من الأرض {وَيَأتِ بِآخَرِينَ}؛ أي: ويوجد قومًا آخرين من الإنس، أو من غيره، موحدين له، يحلون محلكم في الحكم والتصرف، فهو قادر على ذلك؛ لأن كل ما في السموات والأرض فهو تحت قبضته وخاضع لسلطانه.
والمعنى: إن يشاء إفناءكم بالكلية وإيجاد قوم آخرين يشتغلون بعبوديته وتعظيمه يفنكم بالمرة ويوجد مكانكم قومًا خيرًا منكم وأطوع لله تعالى.
والخلاصة: أن إبقاءكم على ما أنتم عليه من العصيان إنما هو لكمال غناه عن طاعتكم، ولأن مشيئته لم تتعلق بهذا الإفناء لحكم ومصالح أرادها سبحانه، لا لعجز عن ذلك تعالى الله علوًّا كبيرًا.
وفي هذه الآيات تهديد للمشركين الذين كانوا يؤذون النبي - صلى الله عليه وسلم - ويقاومون دعوته، وتنبيه للناس إلى التأمل في سنن الله تعالى التي جرت في حياة الأمم وموتها، وإن هذه السنن إذا تعلقت بها المشيئة .. وقعت لا محالة. {وَكَانَ اللَّهُ} سبحانه وتعالى {عَلَى ذَلِكَ}؛ أي: على إهلاككم وإذهابكم من الأرض وإخلاف غيركم مكانكم {قَدِيرًا}؛ أي: قادرًا إذ بيده ملكوت كل شيء، لكنه لحكم يعلمها لم تتعلق إرادته بذلك،
134 - {مَنْ كَانَ} منكم أيها الناس {يُرِيدُ} ويقصد بسعيه وجهاده في حياته {ثَوَابَ الدُّنْيَا} ونعيمها ومتاعها بالمال والجاه ونحوهما، فلا يقتصر عليه، وليطلب الثوابين من الله تعالى {فَعِنْدَ اللَّهِ} سبحانه وتعالى {ثَوَابُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ}؛ أي: بيده ثوابهما، فلا يضيع نفسه بالاقتصار على الثواب