ويقرأ عليكم أيضًا في شأن المستضعفين من الولدان والصغار، الذين لا تعطونهم نصيبهم من الميراث، وقد كانوا يورثون الرجال دون الأطفال والنساء، والمراد بالذي يتلى في حق المستضعفين قوله تعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ}، وقوله: {وَأَنْ تَقُومُوا لِلْيَتَامَى بِالْقِسْطِ} معطوف أيضًا على يتامى النساء؛ أي: ويبين لكم ما يتلى ويقرأ عليكم أيضًا في أن تقوموا لليتامى بالقسط؛ أي: يتلى عليكم في طلب قيامكم بالقسط والعدل في شؤون اليتامى من هؤلاء النساء والولدان المستضعفين، بأن تهتموا بهم اهتمامًا خاصًّا، وتعتنوا بشأنهم، ويجري العدل في معاملتهم على أكمل الوجوه وأتمها، فإن ذلك هو الواجب الذي لا هوادة فيه، ولا خيرة في شأنه، والمراد بالذي يتلى في {أَنْ تَقُومُوا لِلْيَتَامَى بِالْقِسْطِ} قوله تعالى: {وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلَا تَأكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ}.
والخلاصة: أن الذي يتلى في الضعيفين - المرأة واليتيم - هو ما تقدم في أول السورة، وأن الله يذكرهم بتلك الآيات المفصلة ليتدبروها ويتأملوا معانيها، ثم يعملوا بها، إذ قد جرت طباع البشر أن يتغافلوا عن دقائق الأحكام والعظات التي ترجعهم عن أهوائهم، وتؤنبهم على اتباع شهواتهم.
واعلم: أن المفهوم من الآية كون المفتي اثنين:
أحدهما: الله سبحانه وتعالى، يفتي ويبين بما يوحي إلى رسوله - صلى الله عليه وسلم - من الأحاديث الواردة في حقوق النساء واليتامى وشؤونهن، وبما سيأتي من الآيات الكريمة، كالآية التالية لهذه الآية من قوله: {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا}، وغيرها من الآيات المتعلقة بشؤون النساء.
والثاني: الكتاب يفتي ويبين بما يتلى منه في أول هذه السورة من الآيات النازلة في شؤونهن، والله أعلم بمعنى كتابه، فتأمل، وفيه مزيد اعتناء بتلك الفتوى.
ثم رغبهم في العمل بما فيه فائدة لليتامى، وحبب إليهم النصفة فقال تعالى: {وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ}؛ أي: وما تفعلوا من الخير أو الشر ففيه اكتفاء لليتامى، {فَإِنَّ اللَّهَ} سبحانه وتعالى {كَانَ بِهِ}؛ أي: بذلك الخير المفعول {عَلِيمًا} لا يعزب عن علمه شيء، ولا يضيع عنده شيء، فيجازيكم عليه، وهذا وعد لمن آثر الخير لهم.