ذلك بذكر المخالفين المعاندين الذين لا يتبعون تلك الأحكام، ثم بما يدل على كبرياء الله تعالى وجلاله، ثم يعود لتبيين ما تعلق بتلك الأحكام السابقة، وقد عرض هنا في هذه السورة أن بدأ بأحكام النساء والمواريث وذكر اليتامى، ثم ثانيًا بذكر شيء من ذلك في هذه الآية، ثم أخيرًا بذكر شيء من المواريث أيضًا، ولما كانت النساء مطروحًا أمرهن عند العرب في الميراث وغيره، وكذلك اليتامى .. أكد الحديث فيهن مرارًا ليرجعوا عن أحكام الجاهلية.
وعبارة المراغي هنا: لما كان الكلام (?) أول السورة في الأحكام المتعلقة بالنساء واليتامى والقرابة، ومن قوله: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ} إلى هنا في أحكام عامة في أسس الدين وأصوله، وأحوال أهل الكتاب والمنافقين والقتال .. عاد الكلام هنا إلى أحكام النساء، لشعور الناس بالحاجة إلى زيادة البيان في تلك الأحكام، فالآيات السالفة أوجبت مراعاة حقوق الضعيفين المرأة واليتيم، وجعلت للنساء حقوقًا مؤكدة في المهر والإرث، وحرمت ظلمهن، وأباحت تعدد الزوجات، وحددت العدد الذي يحل منهن حين عدم الخوف من الظلم، ولكن ربما يحدث لهم الاشتباه في بعض الوقائع المتعلقة بها، كأن يقع الاشتباه في حقيقة العدل الواجب بين النساء، هل يدخل العدل في الحب أو في لوازمه من زيادة الإقبال على المحبوبة، والتبسط في الاستمتاع بها، أو لا؟ وهل يحل للرجل أن يمنع اليتيمة ما كتب الله لها من الإرث حين يرغب في نكاحها؟ وبماذا يصالح امرأته إذا أرادت أن تفتدي منه؟ كل هذا مما تشتد الحاجة إلى معرفته بعد العمل بتلك الأحكام، فمن ثم جاءت هذه الآيات مبينة أتم البيان لذلك.
قوله تعالى: {وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ ...} الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أن الله سبحانه (?) وتعالى لما أمر أولًا بالعدل والإحسان إلى اليتامى والمساكين .. بين هنا أنه ما أمر بهذه الأشياء لاحتياجه إلى أعمال العباد؛ لأن كل ما في السموات والأرض