وفي هذه الآية وما قبلها من العبرة والموعظة ما يهدم صروح الأماني التي يأوي إليها الكسالى وذوو الجهالة من المسلمين، الذين يظنون أن الله يحابي من يسمي نفسه مسلمًا، ويفضله على اليهودي والنصراني لأجل هذا اللقب، فالذين يفخرون بالانتساب إليه وقد نبذوه وراء ظهورهم، وحرموا الاهتداء بهديه، هم في ضلال مبين. وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وأبو بكر: {يدخلون} بضم حرف المضارعة مبنيًّا للمفعول هنا، وفي مريم، وفي أولى غافر، وقرأ كذلك ابن كثير وأبو بكر في ثانية غافر، وقرأ كذلك أبو عمرو في فاطر، وقرأ الباقون بفتحها مبنيا للفاعل.
125 - وبعد أن بين الله سبحانه وتعالى أن النجاة والسعادة منوطان بصالح الأعمال مع الإيمان .. أردف ذلك بذكر درجات الكمال فقال: {وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا}؛ أي: لا أحد أحسن دينًا وطريقة {مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ}؛ أي: نفسه {لِلَّهِ} وعبر بالوجه عن النفس لأنه أشرف الأعضاء؛ أي: ممن عرف ربه بقلبه، وأقر بربوبيته وبعبودية نفسه، وجعل قلبه خالصًا لله وحده، فلا يتوجه إلى غيره في دعاء ولا رجاء، ولا يجعل بينه وبينه حجابًا من الوسطاء والشفعاء، ولا يرى في الوجود إلا هو، ويعتقد أنه سبحانه وتعالى ربط الأسباب بالمسببات، فلا يطلب شيئًا إلا من خزائن رحمته، ولا يأتي بيوت هذه الخزائن إلا من مسالكها، وهي السنن والأسباب التي سنها في الخلائق، {وَهُوَ مُحْسِنٌ}؛ أي: والحال أنه آت بالحسنات تارك للسيئات؛ أي: والحال أنه مع هذا الإيمان الكامل والتوحيد الخالص محسن للعمل، مُتَحَلٍّ بأحسن الأخلاق والفضائل.
وقد عبر عن توجه القلب بإسلام الوجه؛ لأن الوجه أعظم مظهر لما في النفس، من إقبال وإعراض وسرور وكآبة، وما فيه هو الذي يدل على ما في السريرة، {وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ} معطوف على أسلم، وقوله: {حَنِيفًا} إما حال من إبراهيم.
والمعنى: أي واتبع ذلك المسلم الذي أسلم وجه لله، إبراهيم الخليل عليه السلام في دينه وملته الحنيفية، حالة كون إبراهيم حنيفًا، ومائلًا عن الوثنية وأهلها، ومتبرئًا مما كان عليه أبوه وقومه، إلى الدين الحق، والصراط المستقيم