ذلك الثواب بالأماني، وإنما يستحق بالإيمان والعمل الصالح. أو المعنى: ليس فضل الدين وشرفه ولا نجاة أهله به حاصلًا بأن يقول القائل منهم إن ديني أفضل وأكمل، بل عليه أن يعمل بما يهديه إليه، فإن الجزاء إنما يكون على العمل، لا على التمني والغرور، فليس أمر نجاتكم ولا أمر نجاة أهل الكتاب منوطًا بالأماني في الدين، فالأديان لم تشرع للتفاخر والتباهي، ولا تحصل فائدتها بالانتساب إليها دون العمل بها.
وقرأ الحسن، وأبو جعفر، وشيبة بن نصاح، والحكم، والأعرج: {بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب} بتخفيف الياء ساكنة، جمعًا على فعالل، كما يقال: قراقر وقراقير في جمع قرقور - بوزن عصفور -: السفينة الطويلة.
ثم أكد ذلك وبينه بقوله: {وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا}: ويرتكب ذنبًا أيَّ ذنب كان، سواء كان مؤمنًا أم كافرًا {يُجْزَ بِهِ}؛ أي: يجازى بذلك الذنب الذي ارتكبه، فالمؤمن يجزى عند عدم التوبة، إما في الدنيا بالمصيبة، أو بعد الموت قبل دخول الجنة، أو بإحباط ثواب طاعته بمقدار عقاب تلك المعصية، والكافر يجزى بالمحن والبلاء في الدنيا وفي الآخرة دائمًا، فعلى الصادق في دينه أن يحاسب نفسه على العمل بما هداه إليه كتابه ورسوله، ويجعل ذلك المعيار في سعادته، لا أن يجعل تكأته أن هذا الكتاب أكمل، ولا أن ذلك الرسول أفضل.
وأخرج مسلم وغيره عن أبي هريرة قال: لما نزلت هذه الآية: {مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ} شق ذلك على المسلمين، وبلغت منهم مبلغًا شديدًا، فشكوا ذلك إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "سددوا وقاربوا، فإن في كل ما أصاب المسلم كفارة، حتى الشوكة يشاكها، والنكبة ينكبها"، والأحاديث بهذا المعنى كثيرة، ومن ثم يرى عامة العلماء الأمراض والأسقام ومصايب الدنيا وهمومها يكفر الله بها الخطايا.
{وَلَا يَجِدْ} الذي يعمل السوء، ويستحق العقاب عليه {لَهُ}؛ أي: لنفسه {مِنْ دُونِ اللَّهِ} سبحانه وتعالى {وَلِيًّا} غير الله يتولى أمره، ويدفع الجزاء عنه، {وَلَا نَصِيرًا} ينصره، وينقذه مما يحل به، لا من الأنبياء الذين تفاخر بهم، ولا