مطيعات لله ولأزواجهن {حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ}؛ أي: حافظات للسر الذي يجري بينهن وبين أزواجهن في الخلوة من الرفث - الجماع - والشؤون الخاصة بالزوجية، لا يطلعن أحدًا على ذلك السر، ولو قريبًا، وبالأولى يحفظن العرض من يد تلمس أو عين تبصر أو أذن تسمع، أو حافظات لما يجب حفظه عند غيبة أزواجهن عنهن، من حفظ نفوسهن وأموالهم، {بِمَا حَفِظَ اللَّهُ}؛ أي: بسبب تحفيظ الله إياهن ذلك السر، وأمره إياهن بحفظه، فهن يطعنه ويعصين الهوى، أو حافظات لغيب أزواجهن بحفظ الله لهن ومعونته وتسديده، أو حافظات بما استحفظهن الله من أداء الأمانة إلى أزواجهن، على الوجه الذي أمر الله به، أو حافظات له بحفظ الله لهن بما أوصى به الأزواج في شأنهن من حسن العشرة، وقرأ أبو جعفر: {بِمَا حَفِظَ اللَّهُ} بنصب الاسم الشريف على حذف المضاف؛ أي: بسبب حفظهن حدود الله وأوامره، وفي الآية: أكبر زجر وعظة لمن تتفكه من النساء بإفشاء الأسرار الزوجية، ولا تحفظ الغيب فيها، وفي الحديث: "إن من شر الناس عند الله منزلة يوم القيامة الرجل يفضي إلى امرأته وتفضي إليه ثم ينشر أحدهما سر صاحبه".

وكذلك: عليهن أن يحفظن أموال الرجال، وما يتصل بها من الضياع، روى ابن جرير والبيهقي: عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "خير النساء التي إذا نظرت إليها سرتك، وإذا أمرتها أطاعتك، وإذا غبت عنها حفظتك في مالك ونفسها". وقرأ الآية. وهذا القسم من النساء ليس للرجال عليهن سلطان التأديب، إذ لا يوجد ما يدعو إليه، وإنما سلطانهم على القسم الثاني، الذي ذكره الله تعالى، وذكر حكمه بقوله: {و} النساء {اللاتي تخافون نشوزهن}؛ أي: تظنون عصيانهن لكم وخروجهن عن طاعتكم، برؤية أمارات النشوز عليها، قولًا كأن كانت تلبيه أولًا إذا دعاها، وتخضع له إذا خاطبها، فرفعت عليه صوتها، أو لم تجبه إذا دعاها أو فعلًا كأن كانت تقوم له إذا دخل عليها وتسرع إلى أمره إذا أمرها، فرأى منها خلاف ذلك، أو تعلمون نشوزهن كأن دعاها إلى فراشه فأبت منه بغير عذر، {فَعِظُوهُنَّ}؛ أي: فانصحوا لهن بالترهيب والترغيب، وذكروهن بكتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، وخوفوهن عقوبة الله على النشوز، كأن يقول لها: اتقي الله وخافيه، فإن لي عليك حقًّا وارجعي عما

طور بواسطة نورين ميديا © 2015