أخرج البيهقي (?) في "شعب الإيمان" عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: ثماني آيات نزلت في سورة النساء هي خير لهذه الأمة مما طلعت عليه الشمس وغربت، وعد هذه الآيات الثلاث: {يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ} إلى قوله: {وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا}، والرابعة: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ}، والخامسة: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ}، والسادسة: {وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا}، والسابعة: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ}، والثامنة: {وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ أُولَئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ} .. الآية.
وقال الراغب (?): ووصف الإنسان بأنه خلق ضعيفًا إنما هو باعتباره بالملأ الأعلى، نحو: {أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ}، أو باعتباره بنفسه دون ما يعتريه من فيض الله ومعونته، أو اعتبارًا بكثرة حاجاته، وافتقار بعضهم إلى بعض، أو اعتبارًا بمبدئه ومنتهاه، كما قال تعالى: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ} وأما إذا اعتُبر بعقله، وما أعطاه من القوة التي يتمكن بها من خلافة الله في أرضه، ويبلغ يها في الآخرة إلى جواره تعالى .. فهو أقوى ما في هذا العالم، ولهذا قال تعالى: {وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا}.
وقرأ ابن عباس ومجاهد: {وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا} مبنيًّا للفاعل مسندًا إلى ضمير اسم الله، وانتصاب ضعيفًا على الحال.
29 - وقوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} شروع في بيان بعض المحرمات المتعلقة بالأموال والأنفس، إثر بيان المحرمات المتعلقة بالأبضاع، وإنما خَصَّ الأكل بالذكر؛ لأن معظم المقصود من الأموال الأكل، فالمراد: النهي عن مطلق الأخذ، قيل: ويدخل فيه أكل مال نفسه، وأكل مال غيره، فأكل مال نفسه بالباطل إنفاقه في المعاصي.