والقسم الرابع من المحرمات: ما يحرم بسبب عَارِض، وقد تقدم لك أنه ثلاثة أصناف: ذَكَرَ منها واحد: في هذه الآية بقوله: {و} حرم عليكم {أن تجمعوا بين الأختين}؛ أي: وحرم عليكم أيها المؤمنون الجمع بين الأختين بنسب، أو رضاع في الاستمتاع الذي يراد به الولد، وهو الجماع لا في نفس ملك اليمين، والمذاهب الأربعة متفقة على تحريم الاستمتاع بالأختين بملك اليمين، أو بالنكاح، أو بالنكاح والملك كأن يكون مالكًا لأحدهما، ومتزوجًا للأخرى، فيحرم عليه أن يَسْتَمْتِعَ بهما، ويجب عليه أن يحرم إحداهما على نفسه، كأن يعتق المملوكة، أو يهبها. وقال الشافعي: نكاح الأخت في عدة الأخت البائن جائز؛ لأنه لم يوجد الجمع.
والثانية منها: الجمع بين المرأة وعمتها.
والثالثة: الجمع بين المرأة وخالتها. ويدل على ذلك ما روي عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "لا يجمع بين المرأة وعمتها، ولا بين المرأة وخالتها". أخرجاه في "الصحيحين".
والعلة في تحريم جمع هؤلاء إفضاؤه إلى قطع ما أمر الله تعالى بوصَله من الرّحم، لِمَا يوجد بينهما بسبب الجمع من التباغض، والتحاسُد، كما هو شأن الضرتَينِ كما يدل عليه قوله - صلى الله عليه وسلم -: "فإنكم إن فعلتم ذلك قَطَعْتمُ أَرْحَامَكم".
والضابط لذلك: أنه يحرم الجمع بين كل امرأتين بينهما قرابةٌ لو كانت إحداهما ذكرًا. لحرُمَ عليه بها نكاح الأخرى. {إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ}؛ أي: لكن ما قد مضى، ووقع منكم من الجمع بينهما قبلَ نزول التحريم، فمغفور لكم، لا تؤاخَذون عليه بعد الإِسلام، وقد كانوا في الجاهلية يجمعون بين الأختين مثلًا كما يدل على ذلك ما أخرجه أحمد، وأبو داود، وابن ماجه عن الضحاك بن فيروز الديلمي عن أبيه قال: قلت: يا رسول الله، إني أسلمتُ وتحتي أختان، قال: "طَلِّقِ أيتَهما شئتَ".