الصحابة ومن بعدهم، وعليه المذاهب الأربعة.
والثانية منها: ما ذكره بقوله: {و} حُرِّمَت عليكم {وَرَبَائِبُكُمُ}؛ أي: بَنَاتُ نسائكم {اللَّاتِي} ربيتموهن وأدبتموهن {فِي حُجُورِكُمْ}، وبيوتكم حالةَ كونهن كائنات {مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ}؛ أي: جامعتموهن سواءٌ كانَ بعقد صحيح، أو فاسد يجب لها به الصداقُ، وتجبُ عليها العدةُ وَيلحَقُ به الولدُ. والربائب جمع ربيبة، وهي بنتُ المرأة من رجل آخر، سُمِّيَتْ رَبيبةً لتربيتِها في حجر الرجل، وقوله: دخلتم بهن كنايةٌ عن الجماع، لا نفسُ العقد، فيحرم على الرجل بناتُ امرأته، وبناتُ أولادها، وإن سَفلْنَ من النسب، أو الرضاع بعد الدخول بالزوجة، فلو فارق زوجتَه قبل الدخول بها، أو ماتَتْ قبل دخوله بِهَا جَازَ له أن يتزوَجَ بنتَها، ولا يجوز أن يتزوجَ أمَّهَا؛ لأنَّ الله أطلق تحريمَ الأمهات، وعلَّق تحريمَ البنات بالدخول بالأم، {فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ}؛ أي؛ بنسائكم، كأن عَقَدَ عليها النكاحَ، وفارقها قبل الدخول، أو ماتَتْ كما مر آنفًا {فَلَا جُنَاحَ}؛ أي: لا حَرَجَ ولا منعَ {عَلَيْكُمْ} في نكاح الربائب بعد طلاق أمها أو موتها.
والثالثة منها: ما ذكره بقوله: {و} حرمت عليكم {حلائل أبنائكم}، أي نساءُ أولادِكم {الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ}؛ أي: من أولاد فِرَاشِكم دُونَ نساء الأولاد الأدعياء الذين تبنيتم، وأمَّا حلائل أبناء الرضاع فعلم تحريمهن بالسنة، وإن كان مقتضَى مفهوم الآية تحليلهن، والحلائلُ جمع حليلة، وهي الزوجةُ، والرجل حليلُ سميا بذلك؛ لأن كلَّ واحد منهما يَحِلُّ لصاحبه، وقيل: لأنَّ كل واحد منهما يَحُلَّ إزارَ صاحبه من الحَلِ بفتح الحاء بمعنى الفكّ.
ويدخل في الأبناء أبناءُ الصلب مباشرةً أو بواسطة كابن الابن، وابن البنت، فحلائلُهما تحرم على الجد كما يدخل الابن من الرضاعة، فتحرم حليلته لما تقدم من قوله - صلى الله عليه وسلم -: "يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب".
والرابعة: من هذا القسم حلائل الآباءِ، وذكرها بقوله: في الآية السابقة {وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ}.