الكره بالفتح: الإكراه، وبالضم: المشقةُ، فما أُكرِه عليه فهو كَرُه بالفتح، وما كان من قِبَلِ نفسه، فهو كُرْهُ بالضم.

{إِلَّا أَنْ يَأتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} قرأ ابن كثير، وأبو بكر عن عاصم بفتح الياء؛ أي: بينها من يدَّعِيها، ويوضحها والباقون بالكسرة؛ أي: بينةٍ في نفسها، ظاهرة من النشوز وشَكاسة الخلق، وإيذاء الزوج وأهلِه بالبذاء والسلاطة، ويدل عليه قراءة أبي بن كعب إلا أن يفحشن عليكم، وقرأ ابن عباس {مبينة} بكسر الباء وسكون الياء: من أبانَ الشيء فهو مبين؛ أي: لا تعضلوهن في حال من الأحوال، إلا في الحال التي يفعلنَ فيها بالفاحشة، المبينة، الواضحة الظاهرة، الفاضحة دون الظنة والشبهةِ، فإذا نشزن عن طاعتكم وسَاءَتْ عشرتهن، ولم ينفع معهن التأديبُ، أو تبيَّنَ ارتكابهن للزنا، أو السرقة، أو نحو ذلك من الأمور الفاحشة الممقوُتة عند الناس، فلكم حينئذ أن تعضلوهن، وتضيقوا عليهن، لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن من صداق وغيره من المال؛ لأن الفُحْشَ قد أتى من جانبها، فقد عُذِرْتُم حينئذ في طلب الخلع، وإنما اشترِطَ في الفاحشة أن تكونَ مبينةً؛ أي: ظاهرةً فاضحةً لصاحبها؛ لأنه رُبَّما ظلَمَ الرجل المرأةَ بإصابتها الهفوةَ الصغيرةَ، أو بمجرد سوء الظن، والتهمة، فمن الرجال الغَيور السيء الظنّ الذي يؤاخذ بأتفه الأمور، ويعده عظيمًا.

وإنما أبيح للرجل أن يضيِّق على امرأته إذا أتت بهذه الفاحشة المبينة؛ لأنها ربما كَرِهته، ومالَت إلى غيره فتؤذيه بفاحش القول، أو الفعل؛ ليملها، ويسأم معاشرتها؛ فيطلقها؛ فتأخذ ما كان أعطاها، وتتزوج غيره، وتتمتع بمال الأول، وربما فعلت مع الثاني ما فعلت مع الأول، فإذا عَلِمَ النساء أن العضلَ والتضييقَ بيد الرجال، ومما أبيح لهم إذا هن آذينَهُم وأهنَّهم؛ فإن ذلك يكفهن عن ارتكابها، والاحتيالِ بها على أرذلِ أنواعِ الكسب.

{وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ}؛ أي: وعاشروا أيها: الأزواج، وساكنوا مع زوجَاتِكم بالوجه المعروف في هذه الشريعة، وبَيْنَ أهلها من حسن المعاشرة؛ أي: وعليكم أيها الأزواجُ أن تحسنوا معاشرةَ نسائِكم فتُخَالطُوهُنَّ بما تألُفُه

طور بواسطة نورين ميديا © 2015