مات أقاربُكم عنهن؛ أي: لا يحل لكم أيها المؤمنون: أن تسيروا على سنةِ الجاهلية في هضم حقوق النساء، فتجعلوهن ميراثًا لكم، كالأموال، والعبيد، وتتصرفوا فيهن كما تَشاءُون، وهنَّ كارهات لذلك، فإن شاء أحدكم تزوج امرأةَ من يموت من أقاربه، وإن شاء زوجها غيره، وإن شاء أمسكها ومَنَعَها الزواجَ، كما مر بيان ذلك كله في أسباب النزول.
{و} كذلك {لا} يحل لكم أيها المؤمنون أن: {تَعْضُلُوهُنَّ} وتحبسوهن في نكاحكم، وتضيّقوا عليهن بسوء العشرة، حتى أُلْجِئَت إلى الافتداء بمالها {لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ}؛ أي: لتأخذوا منهن، وتردوا عنهن بعضَ ما أعطيتموهن من المهور بسبب اختلاعهن، ومن باب أولى أَخَذُ الجميع. وقرأ ابن مسعود، {ولا أن تعضلوهن} وهذه القراءة تقوي احتمالَ النصب على احتمال الجزم، وقال ابن عطية: واحتمال النصب أقوى. انتهى؛ أي: لا يحل لكم أيها المؤمنون إرثُ ذاتِ نساءِ أقاربكم، إذا ماتوا عنهن بتزوجها كُرهًا من غير رِضَاهَا، ولا يحل لكم أيضًا العضل، والتضييق على أزواجكم اللاتي في نكاحكم، ومضارتُهن بسوء العشرة لِيُكْرِهْنَكُم، ويَضْطَرِرْنَ إلى الافتداء منكم بالمال، والصداق الذي أَخَذْنَ منكم أو بالمال الذي وَرِثَتْ من زوجها الأول، فقد كانوا يتزوجون من يعجبهم حَسْنُها، ويزوِّجون من لا تعجبهم، أو يمسكونها حتى تفتدِيَ بما كانت وَرِثَتْ من قريب الوارث، أو بما كانت أخذت من صداق ونحوه، أو بكلّ هذا، وربما كلفوها الزيادةَ إن علموا أنها تَسْطِيعها.
أخرج ابن جرير عن ابن زيد قال: كانت قريش بمكة ينكح الرجل منهم المرأةَ الشريفةَ فلعلها، ما توافِقُهُ فيفارقها على أن لا تتزوج إلا بإذنه، فيأتي بالشهود، فيكتب ذلك عليها؛ فإذا خَطَبَها خاطبٌ، فإن أعطَتْه وأَرْضَتْهُ أذِنَ لها، وإلا عَضَلها، وكثيرًا ما كانوا يضيّقون عليهن ليفتدِينَ منهم بالمال.
وقرأ حمزة والكسائي {كَرْهًا} بضم الكاف هنا، وكذا في التوبة، وفي الأحقاف، وقرأ عاصم، وابن ذكوان عن ابن عامر في الأحقاف بالضم، والباقون بالفتح، وقرأ نافع، وابن كثير، وأبو عمرو بالفتح في جميع ذلك، قال الفراء: