أربعة رجال منكم على زناهن، برؤية العورتَين يتداخلان كالعُود في المكحلة {فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ}؛ أي: فاحبسوهن في بيوتكم، وامنعوهن من الخروج منها، حتى لا يَعُدْنَ إلى ارتكابها مرة أخرى؛ لأن المرأة إنما تقع في الزنا عند الخروج والبروز إلى الرجال، فإذا حُبست في البيت لم تقْدِرُ على الزنا {حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ}؛ أي: إلى أن يقبض أرواحهن ملك الموت، ويمتن {أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا}؛ أي: أو إلى أن يبين الله، ويشرع لهن طريقًا، وحكمًا، وعقوبةً على ارتكابهن الفواحشَ، وهذا الحكم كان في أول الإسلام قبل نزول الحدود، كانت المرأة إذا زنت حبست في البيت، حتى تموت، ثم نسخ الحبسُ بالحدود، وجعل لهن سبيلًا، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "خذوا عني، خذوا عني، قد جعل الله لهن سبيلًا الثيب ترجم، والبكر تجلد، وتنفى".
وفي الآية (?) إشارة إلى أن منعَ النساء عن الخروج عند الحاجة إليه في غير هذه الحالة لمجرد الغيرة، أو لمجرد الهَوى والتحكم من الرجال لا يجَوزُ، وكذلك في الآية إيماء إلى أن هذه العقوبة مقرونة بما يدل على التوقيت، وعن عبادة بن الصامت - رضي الله عنه - قال: كان نبي الله - صلى الله عليه وسلم - إذا نزل عليه حكم كرب لذلك، وتربد وجهه فأنزل الله عليه ذاتَ يوم، فبقي كذلك فلما سُري عنه قال: "خُذوا عني، خذوا عني، قد جعل الله لهن سبيلًا، الثيبُ بالثيب جلدُ مائة، ورَجْمُ بالحجارة، والبكر بالبكر جلدُ مائة، وتغريب عام". أخرجه مسلم. ومن هذا تعلَمُ أنَّ السبيل كان مجملًا أولًا، فبينه الحديث المذكورُ، وخصص الحديثُ أيضًا، عُمومَ آية الجلد الآتية في سورة النور، {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} فثبت الجلد على البكر بنص الكتاب، وثبت الرجم على الثيب المحصن بسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقد صح أن رسول الله رَجَم ماعزًا، وكان قد أُحْصِنُ وسواء في هذا الحكم المسلم، واليهودي؛ لأنه ثَبتَ في الصحيح أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رَجَم يهوديين زَنَيا، وكانا قد أحصنا.
16 - ثم بين عِقابَ كل من الزانيين البكريَنِ فقال: {وَاللَّذَانِ يَأتِيَانِهَا مِنْكُمْ}؛ أي: والبكران اللذان يفعلان الفاحشةَ