العباد يولعون بالتضرع إليه في الشدائد، أو من وله، إذا تحير وتخبط عقله، وكان أصله: ولاه، فقلبت الواو همزة؛ لاستثقال الكسرة عليها استثقال الضمة في وجوه، فقيل: إله كإعاء، وإشاح، وإسادة في وعاء، ووشاح، ووسادة، ويرده الجمع على آلهة دون أولهاء، وقيل؛ أصله لاه من لاه يليه ليها ولاها، إذا احتجب وارتفع؛ لأنّه سبحانه وتعالى محجوب عن إدراك الأبصار، ومرتفع عن كل شيء مما لا يليق به، ويشهد له قول الشاعر:
كحلفة من أبي رباح ... يشهدها لاهه الكبّار
فكأنه سبحانه يسمى بذلك؛ لاستتاره، واحتجابه عن إدراك الأبصار، وما أجمل قول الشريف الرضي الشاعر: تاهت العقلاء في ذاته تعالى وصفاته، لاحتجابها بأنوار العظمة وتحيروا أيضا في لفظ الجلالة، كأنه انعكس إليه من تلك الأنوار أشعة بهر أعين المستبصرين، فاختلفوا: أسريانيّ هو أو عربي؟
أإسم، أو صفة؟ مشتق؟ وممّ اشتقاقه؟ وما أصله؟، أو غير مشتق؟ علم، أو غير علم؟.
وقيل: هو علم مرتجل غير مشتق عند الأكثرين، وإليه ذهب سيبويه في أحد قوليه، فهو علم لذاته خاصة؛ لأنه يوصف ولا يوصف به؛ ولأنه لا بد من اسم تجري عليه صفاته، ولا يصلح له مما يطلق عليه سواه؛ ولأنه لو كان وصفا لم يكن قول: لا إله إلّا الله توحيدا، مثل: «لا إله إلا الرحمن»، فإنه لا يمنع الشركة.
والأظهر: أنه وصف في أصله، لكنه لما غلب عليه بحيث لا يستعمل في غيره، وصار له كالعلم، مثل: الثريا والصعق، أجري مجراه في إجراء الأوصاف عليه وامتناع الوصف به، وعدم تطرّق احتمال إليه؛ لأنّ ذاته من حيث هو بلا اعتبار أمر آخر حقيقي، أو غيره غير معقول للبشر، فلا يمكن أن يدل عليه بلفظ، ولأنه لو دل على مجرد ذاته المخصوص، لما أفاد ظاهر قوله سبحانه وتعالى:
{وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّماواتِ} معنى صحيحا؛ ولأنّ معنى الاشتقاق: هو كون أحد اللفظين مشاركا للآخر في المعنى والتركيب، وهو حاصل بينه وبين الأصول