ما روي عن ابن مسعود قال: (من أراد أن ينجيه الله من الزبانية التسعة عشر؛ فليقرأ {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ}؛ ليجعل الله له بكلّ حرف منها جنّة من كلّ واحد منهم، فالبسملة تسعة عشر حرفا على عدد ملائكة أهل النار، الذين قال الله فيهم: عَلَيْها تِسْعَةَ عَشَرَ، وهم يقولون في كلّ أفعالهم: بِسْمِ اللَّهِ ... إلخ. فمن هنالك قوتهم.

والبحث الثالث في تفسيرها ومعناها:

والأحسن أن يقدر متعلّق الباء هنا (قولوا): لأنّ هذا المقام مقام تعليم، وهذا كلام صادر عن حضرة الربّ تعالى. اه. «جمل». وقال الطبري: إنّ الله سبحانه وتعالى، أدّب نبيه محمدا صلّى الله عليه وسلّم، بتعليمه ذكر أسمائه الحسنى أمام جميع أفعاله، وجعل

ذلك لجميع خلقه سنّة يستنّون بها، وسبيلا يتّبعونه عليها. اه.

فمعنى {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ}؛ أي: اقرأ يا محمد أنت وأمّتك كتابي، حالة كونكم متبركين باسم الله الواجب الوجود، المستحقّ لجميع المحامد.

الرَّحْمنِ؛ أي: كثير الرحمة لعباده بجلائل النعم، كنعمتي الإيجاد والإيمان.

الرَّحِيمِ؛ أي: كثير الرحمة لعباده بدقائقها، كالزيادة في الجمال، والعلم، وقوّة السمع، وحدّة البصر. وقال البيضاوي: والرحمن الرحيم: اسمان بنيا للمبالغة، كالغضبان من غضب، والعليم من علم. والرحمة في اللغة: رقّة القلب، وانعطاف يقتضي التفضّل والإحسان، ومنه: الرحم لانعطافها على ما فيه.

والحكمة في تخصيص التسمية بهذه الأسماء الثلاثة؛ ليعلم العارف أنّ المستحق لأن يستعان به في جميع الأمور، هو المعبود الحقيقي الذي هو مولي النعم كلها عاجلها، وآجلها، جليلها، وحقيرها، فيتوجه بشراشره إلى جناب القدس، ويتمسّك بحبل التوفيق، ويشغل سرّه بذكره والاستغناء به عن غيره. اه. منه.

والبحث الرابع في حكم الجهر بها والإسرار:

إذا ثبت بما تقدم من الأدّلة؛ أنّ البسملة آية من (الفاتحة)، ومن غيرها من

طور بواسطة نورين ميديا © 2015