الدالة على صحة نبوته، وصدقه - صلى الله عليه وسلم -؛ أي: لا يوفق القوم الكافرين الأصليين والمرتدين طريق الهدى والرشاد، لما سبق في علمه تعالى أنَّهم ظالمون، وقيل: لا يهديهم في الآخرة إلى الجنة والثواب، فإنْ قلت (?): كيف قال الذي أول الآية: {كَيْفَ يَهْدِي} وفي آخر الآية: {الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} وهذا تكرار؟
قلتُ: ليس فيه تكرار؛ لأن قوله: {كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا} إنَّما هو مختص بأولئك المرتدين عن الإسلام، ثمَّ إنَّه تعالى عمم ذلك الحكم في آخر الآية فقال: {وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} يعني جميع الكفار، المرتدين عن الإسلام والكافر الأصلي، وإنَّما سمى الكافر ظالمًا لأنَّه وضع العبادة في غير موضعها.
87 - {أُولَئِكَ} الذين كفروا بعد إيمانهم {جَزَاؤُهُمْ} على كفرهم {أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ} أي: سخطه وغضبه، وإبعاده لهم عن رحمته {و} أنَّ عليهم لعنة {الملائكة والناس أجمعين}؛ أي: يستحقون غضب الله وسخطه، وسخط الملائكة والناس كلهم، إذ هم متى عرفوا حقيقة حالهم لعنوهم؛ لأنَّها مجلبة للَّعن بطبعها لكل من عرفها.
وهذا يدل (?) بمنطوقه على جواز لعنهم، وبمفهومه ينفي جواز لعن غيره، ولعل الفرق أنَّهم مطبوعون على الكفر، ممنوعون عن الهدى، آيسون عن الرحمة رأسًا، بخلاف غيرهم، والمراد بالناس المؤمنون، أو العموم؛ فإنَّ الكافر أيضًا يلعن منكر الحق، والمرتد عنه، ولكن لا يعرف الحق بعينه حالة كونهم
88 - {خَالِدِينَ فِيهَا}؛ أي: مقدرين الخلود في اللعنة أو العقوبة، أو النار، وإنْ لم يجر ذكرهما لدلالة الكلام عليهما {لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ}، أي: لا ينقصون من العذاب شيئًا {وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ}؛ أي: ولا هم يمهلون لمعذرة يعتذرون بها؛ لأنَّ سببه ماران على قلوبهم من ظلمات الجحود والعناد، وسخط الله وغضبه، وهو معهم لا يفارقهم أينما كانوا، ثمَّ استثنى سبحانه وتعالى فقال:
89 - {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا} ورجعوا