وخلاصة المعنى: ولكن يأمرهم هذا البشر، والنبي الذي أوتي الكتاب والحكم والنبوة، بأنْ يكونوا منسوبين إلى الرب مباشرة، وإنَّما يهديهم إلى الوسيلة الحقيقية الموصلة إلى ذلك، وهي تعليم الكتاب ودراسته، فبعلم الكتاب، وتعليمه، والعمل به، يكون الإنسان ربانيًّا مرضيًّا عند الله، إذ العلم الذي لا يبعث على العمل لا يعد علمًا صحيحًا، ومن ثمَّ استغنى بذكره عن التصريح بالعمل، فالعلم بسبب للعمل، فقبيح على العالم تركه العمل، وأقبح منه أن يرشد الناس ويهديهم مع كونه هو غير مهتد في نفسه، فمثل العالم الذي يعلم الناس - وهو غير عامل - كشمعة موقودة تضيء للناس وتحرق نفسها، وفي هذا المعنى قال بعضهم:
أَتَنْهَى النَّاسَ وَلاَ تَنْتَهِي ... مَتَى تُلْحَقُ الْقَوْمَ يَا أَكْوَعُ
فَيَا حَجَرَ السَّنِّ حَتَّى مَتَى ... تَسُنُّ الْحَدِيْدَ وَلاَ تَقْطَعُ
وكفى به (?) دليلًا على خيبة سعي من جهد نفسه، وكد روحه في جمع العلم، ثمَّ لم يجعله ذريعة إلى العمل، فكان كمن غرس شجرة حسناء تؤنقه بمنظرها، ولا تنفعه بثمرها.
80 - {وَلَا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلَائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا} قرأ (?) عاصم وحمزة وابن عامر ويعقوب وخلف العاشر {يأمركم} بفتح الراء عطفًا على يقول، والفاعل ضمير يعود على البشر، و {لا} مزيدة لتأكيد معنى النفي؛ أي: ما كان لبشر أن يجعله الله نبيًّا، ثم يأمر الناس بعبادة نفسه، أو باتخاذ الملائكة والنبيين أربابًا، وقرأ الباقون برفع الراء على سبيل الاستئناف، كما يدل على ذلك ما روي شاذًا عن ابن مسعود أنه قرأ؛ {ولن يأمركم} والفاعل حينئذٍ ضمير يعود على الله، كما قاله الزجَّاج، أو على محمَّد، كما قاله ابن جريج، أو إلى عيسى، أو إلى كل نبي من الأنبياء، كما قيل بكل؛ أي: ولا يأمركم محمَّد يا معشر قريش، أو موسى يا معشر اليهود، أو عيسى يا معشر النصارى مثلًا، بأنْ تتخذوا الملائكة والنبيين