هُوَ}؛ أي: المحرف {منْ عِندِ اَللهِ}، أي: موجود في كتب سائر الأنبياء، مثل شعياء وأرخياء وحيفوف {وَمَا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} فالأغمار الجاهلون بالتوراة نسبوا ذلك المحرف إلى أنَّه من التوراة، والأذكياء زعموا أنَّه موجود في كتب سائر الأنبياء الذين جاؤوا بعد موسى عليهم السلام، وعلم من هذا التفسير المغايرة بين اللفظين، فإنه ليس كل ما لم يكن في الكتاب لم يكن من عند الله، فإنَّ الحكم الشرعي قد ثبت تارة بالكتاب، وتارة بالسنّة، وتارة بالإجماع وتارة بالقياس، والكل من عند الله.
وفي "الخازن" قوله: {وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} وإنَّما كرر هذا بلفظين مختلفين مع اتحاد المعنى .. لأجل التأكيد؛ أي: إنَّهم (?) كاذبون فيما يقولون، وفي هذا تشنيع عليهم، بأن الجرأة قد بلغت بهم حدًّا عظيمًا، فهم لم يكتفوا بالتعريض والتورية، بل يصرحون بنسبته إلى الله كذبًا، لعدم خوفهم منه، واعتقادهم أنَّه يغفر لهم جميع ما يجترحون من الذنوب؛ لأنَّهم من أهل ذلك الدين.
وليس ذلك بالغريب عليهم، فإنَّا نرى كثيرًا من المسلمين اليوم يعتقدون أنَّ المسلم من أهل الجنة حتمًا، مهما أصاب من الذنوب؛ لأنَّه إنْ لم تدركه الشفاعة. أدركته المغفرة، ويجلِّي اعتقادهم ذلك قولهم: أمة محمَّد بخير.
فالمسلم في نظرهم من اتخذ الإِسلام دينًا، وإنْ لم يعمل بما جاء في كتاب الله، وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، من صفات المسلمين الصادقين، بل ولو فعل فِعْل الكافرين والمنافقين.
{وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} أنَّهم كاذبون؛ أي: يتعمدون ذلك الكذب مع العلم، وهذا تأكيد وتسجيل عليهم بأنَّ ما افتروه على الله .. كان عن عمد لا عن خطأ.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما (?): هم اليهود الذين قدموا على كعب بن