عليه من قولهم: لنؤمنن به ولننصرنه، أي: يأخذون بدل وفاء عهدهم وبَرِّ أيمانهم ثمنًا قليلًا هو العوض أو الرشا أولئك لا نصيب لهم في منافع الآخرة ونعيمها، ويغضب عليهم ربهم، ولا ينظر إليهم ولا يثنى عليهم يوم القيامة، ولهم عذاب أليم، هو الغاية في الألم.
قال القفال: هذه الكلمات يراد بها بيان شدة سخط الله عليهم؛ لأن من منع غيره كلامه في الدنيا .. فإنَّما ذلك لسخطه عليه، وقد يأمره بحجبه عنه ويقول؛ لا أكلمك ولا أرى وجهك، وإذا جرى ذكره .. لم يذكره بالجميل اهـ.
وخلاصة القول: إنَّ الله توعد الناكثين للعهد، المخلفين للوعد بالحرمان من النعيم، وبالعذاب الأليم، وبأنَّهم يكونون في غضب الله، بحيث لا ترجى لهم رحمة، ولا يسمعون منه تعالى كلمة عفو ولا مغفرة، ولم يتوعد الله تعالى مرتكبي الكبائر من الزناة وشاربي الخمر، ولاعبي الميسر، وعاقي الوالدين، بما توعد به ناكثي العهود، وخائني الأمانات؛ لأنَّ مفاسدهما أعظم من جميع المفاسد، التي لأجلها حرمت تلك الجرائم.
فالوفاء بهما آية الدين البينة، والمحور الذي تدور عليه مصالح العمران، فمتى نكث الناس في عهودهم .. زالت ثقة بعضهم ببعض، والثقة روح المعاملات، وأساس النظام.
والإيمان باللهِ لا يجتمع مع الخيانة، والنكث بالعهد، ألا ترى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - جعله علامة النفاق فقال: "آية النفاق ثلاث إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان" كما مر آنفًا.
وروى الطبراني في "الأوسط" عن أنس رضي الله عنه قال: ما خطبنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا قال: "لا إيمان لمن لا أمانة له، ولا دين لمن لا عهد له".
فما بال كثير من المسلمين - حتى المتدينين منهم - استهانوا بالعهود، وأصبحوا لا يحفظون الأيمان، ويرون ذلك شيئًا صغيرًا، مع كل ما رأوا من شديد التهديد والوعيد، ويكبرون أمر المعاصي التي لم يتعودوها لعدم الإلف