وقد جعل الله جزاء الموفين بالعهد، المتقين بالإخلاف والغدر، محبته تعالى ورحمته لهم في الدنيا والآخرة، وفي هذا إيماء إلى أنَّ الوفاء بالعهود، واتقاء الإخلاف فيها، وفي سائر المعاصي والخطايا، هو الذي يقرب العبد من ربه، ويجعله أهلًا لمحبته، أما الانتساب إلى شعب بعينه، والافتخار والترفع به على غيره، كما كثر في عصرنا هذا والعياذ باللهِ، فلا قيمة له عند الله تعالى.
وفي هذا أيضًا تعريض بأنَّ أصحاب هذا الرأي من اليهود ليسوا على حظ من التقوى، وهي الدعامة الأساسية في كل دين قويم، رزقنا الله إياها وجميع المسلمين.
وأخرج الشيخان عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله: "أربع من كن فيه كان منافقًا خالصًا، ومن كان فيه خصلة منهن كان فيه خصلة من النفاق حتى يدعها، إذا اؤتمن خان، وإذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر وإذا خاصم فجر" وفي رواية "إذا حدث كذب، وإذ وعد أخلف، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر".
77 - {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ} الباء فيه داخلة على المتروك؛ أي: إنَّ الذين يأخذن بنقض عهد الله عليهم من الإيمان بالرسول - صلى الله عليه وسلم -، والأداء بالأمانات {وبـ} ـحنث {أيمانهم} وحلفهم من قولهم: والله لنؤمنن به ولننصرنه {ثَمَنًا قَلِيلًا}؛ أي: عوضًا يسيرًا من الدنيا، والمراد بالثمن القليل متاع الدنيا من الرشا والتراؤس ونحو ذلك {أُولَئِكَ} الموصوفون بتلك الصفات القبيحة {لَا خَلَاقَ}؛ أي: لا نصيب {لَهُمْ فِي} خير {الْآخِرَةِ} ونعيمها {وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ} يوم القيامة أي: يشتد غضب الله عليهم {وَلَا يَنظُرُ} الله {إِلَيْهِمْ} بالإحسان والرحمة {يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ}، أي: لا يطهرهم من دنس ذنوبهم بالمغفرة {وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}؛ أي: وجيع يخلص وجعه إلى قلوبهم.
والمعنى: إنَّ الذين يستبدلون بعهد الله إلى الناس في كتبه المنزلة، بأن يلتزموا الصدق والوفاء بما يتعاهدون عليه ويتعاقدون، وأن يؤدوا الأمانات إلى أهلها، وأن يعبدوه ولا يشركوا به شيئًا، ويتقوه في جميع الأمور، وبما حلفوا