الْهُدَى هُدَى اللَّهِ}؛ أي: إن الدين دين الله، والبيان بيانه، وهذا خبر من الله تعالى، ثم اختلفوا فيه فمنهم من قال: هذا كلام معترض بين كلامين، وما بعده متصل بالكلام الأول، وهو إخبار عن قول اليهود بعضهم لبعض، ومعنى الآية: ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم، ولا تؤمنوا أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم من العلم والحكمة والكتاب والآيات، من فلق البحر، وإنزال المن والسلوى عليكم، وغير ذلك من الكرامات، ولا تؤمنوا أن يحاجوكم عند ربكم؛ لأنكم أصح دينًا منهم، فلما أخبر الله تعالى ذلك عن اليهود .. قال في أثناء ذلك {قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ}.
والمعنى: إن الذي أنتم عليه إنما صار دينًا بحكم الله وأمره، فإذا أمر بدين آخر .. وجب اتباعه والانقياد لحكمه؛ لأنه هو الذي هدى إليه وأمر به.
وقيل: إن المعنى: قل لهم يا محمَّد: إن الهدى هدى الله، وقد جئتكم به، ولن ينفعكم في دفعه هذا الكيد الضعيف.
وقرأ الحسن والأعمش شذوذًا: {إن يؤتي} - بكسر الألف - فيكون قول اليهود تامًّا عند قوله: إلا لمن تبع دينكم، وما بعده من قول الله تعالى.
والمعنى: قل يا محمَّد: {إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ أَنْ يُؤْتَى أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ}، وتكون {أنْ} بمعنى الجحد والنفي؛ أي: ما يؤتى أحد مثل ما أوتيتم يا محمَّد من الدين والهدى، و {أَوْ} في قوله: {أوْ يُحَاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ} بمعنى: إلا؛ أي: إلا أن يحاجوكم؛ أي: اليهود بالباطل، فيقولوا: نحن أفضل منكم عند ربكم؛ أي: عند فعل ربكم وجزائه، وقيل: {أَو} في قوله: {أَوْ يُحَاجُّوكُمْ} بمعنى: حتى، ومعنى الآية: ما أعطى الله أَحدًا مثلَ ما أعطيتم يا أمة محمَّد من الدين والحجة، حتى يحاجوكم عند ربكم.
وقرأ ابن كثير: {أأَنْ يُؤْتَى} بهمزتين: الأولى محققة والثانية مسهلة، وذلك على الاستفهام التوبيخي، وحينئذٍ يكون في الكلام اختصار تقديره: إن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم يا معشر اليهود من الكتاب والحكمة .. تحسدونه ولا تؤمنون به. هذا قول قتادة والربيع، قالا هذا من قول الله تعالى يقول: