والحيلة، فمعنى الآية إن النساء لاستقرار حبهن في قلوب الرجال يتصرفن فيهم ويحولنهم من رأي إلى رأي، فأمر الله تعالى رسوله - صلى الله عليه وسلم - بالتعوذ من شرهن.
وقيل المعنى (?): أعوذ برب الفلق من شر النمامات والنمامين الذين يقطعون روابط المحبة، ويبددون شمل المودة، وقد شبه عملهم بالنفث، وشبهت رابطة الوداد بالعقدة، والعرب تسمي الارتباط الوثيق بين شيئين عقدة، كما سمي الارتباط بين الزوجين عقدة النكاح.
فالنميمة تحول ما بين الصديقين من محبة إلى عداوة بالوسائل الخفية التي تشبه أن تكون ضربًا من السحر، ويصعب الاحتياط والتحفظ منها، فالنمام يأتي لك بكلام يشبه الصدق، فيصعب عليك تكذيبه، كما يفعل الساحر المشعوذ إذا أراد أن يحل عقدة المحبة بين المرء وزوجه؛ إذ يقول كلامًا ويعقد عقدة وينفث فيها، ثم يحلها إيهامًا للعامة أن هذا حل للعقدة التي بين الزوجين، وهذا المعنى والذي قبله يخالف ما ورد في سبب نزول السورتين، كما أشرنا إليه آنفًا.
وقرأ الجمهور (?): {النَّفَّاثَاتِ} - بفتح النون - جمع نفاثة على صيغة المبالغة، وقرأ الحسن بضم النون، وقرأ عيسى بن عمر ويعقوب في رواية, وعبد الرحمن بن ساباط وعبد الله بن القاسم والحسن أيضًا {النافثات} جمع نافثة، وقرأ أبو الربيع والحسن أيضًا {النَّفَّاثَاتِ} بغير ألف نحو الحذرات.
فص
واعلم (?): أن السحر تخيل لا أصل له عند المعتزلة، وعند الشافعي: تمريض بما يتصل به، كما يخرج من فم المتثائب ويؤثر في المقابل، وعند الحنفية: سرعة الحركة ولطافة الفعل فيما خفي فهمه، وقيل: طلسم يبنى على تأثير خصائص الكواكب، كتأثير الشمس في زئبق عصا سحرة فرعون، والمعتزلة أنكروا صحة رواية الأحاديث المذكورة، وتأثير السحر في النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقالوا: كيف يمكن القول بصحتها؟ والله سبحانه وتعالى يقول: {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ}، وقال: {وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى}، ولأن تجويزه يفضي إلى القدح في النبوة، ولأن الكفار كانوا