قال السهيلي - رحمه الله تعالى -: والحكمة في اقتران الحمد بالتسبيح أبدًا، نحو قوله: {سبح بحمد ربك}، وقوله: {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ} أن معرفة الله سبحانه تنقسم على قسمين: معرفة ذاته، ومعرفة أسمائه وصفاته، ولا سبيل إلى إثبات أحد القسمين دون الآخر، وإثبات وجود الذات من مقتضى العقل وإثبات الأسماء والصفات من مقتضى الشرع، فبالعقل عُرف المسمى، وبالشرع عُرفت الأسماء، ولا يتصور في العقل إثبات الذات إلا مع نفي سمات الحدوث عنها، وذلك هو التسبيح، ومقتضى العقل مقدم على مقتضى الشرع، وإنما جاء الشرع المنقول بعد حصول النظر والعقول، فنبه العقول على النظر، فعرفت ثم علَّمها ما لم تكن تعلم من الأسماء، فانضاف لها التسبيح والحمد والثناء، فما أمرنا تسبيحه إلا بحمده. انتهى.
وقوله: {بِحَمْدِ رَبِّكَ} في محل النصب حال من فاعل {سبح}؛ أي: فقل يا محمد سبحان الله حال كونك متلبسًا بحمد ربك؛ أي: فتعجب لتيسير الله ما لم يكن يخطر ببال أحد من أن يغلب أحد على أهل حرمه المحترم، واحمده على جميع صنعه، وفيه الجمع بين تسبيح الله المؤذن بالتعجب مما يسره الله له مما لم يكن يخطر بباله ولا بال أحد من الناس، وبين الحمد له على جميل صنعه له وعظيم منته عليه بهذه النعمة التي هي النصر والفتح لأم القرى التي كان أهلها قد بلغوا في عداوته إلى أعلى المبالغ حتى أخرجوه منها بعد أن افتروا عليه من الأقوال الباطلة، والأكاذيب المختلفة ما هو معروف من قولهم: هو مجنون، هو ساحر، هو شاعر، هو كاهن، ونحو ذلك.
وقال بعضهم: والأشبه أن يراد نزهه عن العجز في تأخير ظهور الفتح، واحمده على التأخير وصفه بأن توقيت الأمور من عنده ليس إلا بحِكَم لا يعرفها إلا هو. انتهى. أو المعنى (?): فاذكره مسبحًا حامدًا، وزد في عبادته والثناء عليه لزيادة إنعامه عليك، أو فصلِّ له حامدًا على نعمه، فالتسبيح مجاز عن الصلاة بعلاقة الجزئية؛ لأنها تشتمل عليه في الأكثر، روي أنه - صلى الله عليه وسلم - لما فتح الكعبة .. صلى صلاة الضحى ثماني ركعات، وحملها بعضهم على صلاة الشكر لا على صلاة الضحى،