للإيذان بتحقق مضمونها لا محالة، من أنهم فيها الآن إما على تنزيل ملابستهم بما يوجبها منزلة ملابستهم لها، وإما على أن ما هم فيه من الكفر والمعاصي عين النار إلا أنها ظهرت في هذه النشأة بصورة عرضية، وستخلعها في النشأة الآخرة وتظهر بصورتها الحقيقية.
وقوله: {خَالِدِينَ فِيهَا} حال من المستكن في الخبر، واشتراك الفريقين في دخول دار العذاب بطريق الخلود؛ لأجل كفرهم لا ينافي تفاوت عذابهم في الكيفية، فإن جهنم دركات وعذابها ألوان، فالمشركون كانوا ينكرون الصانع والنبوة والقيامة، وأهل الكتاب نبوة محمد - صلى الله عليه وسلم - فقط، فكان كفرهم أخف من كفر المشركين، لكنهم اشتركوا في أعظم الجنايات التي هي الكفر، فاستحقوا أعظم العقوبات وهو الخلود، ولما كفروا طلبًا للرفعة صاروا إلى أسفل السافلين، فإن جهنم نار في موضع عميق مظلم هائر يقال: بئر جِهنَّام إذا كانت بعيدة القعر، واشتراكهم في هذا الجنس من العذاب لا يوجب اشتراكهم في نوعه كما مر آنفًا، ولم يقل هنا أبدًا، كما قاله فيما بعد في ثواب أهل الجنة؛ لأن رحمته أزيد من غضبه فلم يتفق الخلودان في الأبدية اهـ. "فتوحات".
والمعنى (?): أي إن هؤلاء الذين دسوا أنفسهم بقبيح الشرك واجتراح المعاصي وإنكار الحق الواضح بعد أن عرفوه، كما يعرفون أبناءهم يجازبهم ربهم بالعقاب الذي لا يخلصون منه أبدًا، فيدخلهم نارًا تلظَّى جزاء ما كسبت أيديهم، وجزاء إعراضهم عما دعا إليه الداعي، وهدت إليه الفطرة، والإشارة بقوله: {أُولَئِكَ} البعداء المذكررون، إلى من تقدم ذكرهم من أهل الكتاب والمشركين المتصفين بالكون في نار جهنم والخلود فيها {هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ}؛ أي: شر الخليقة وأخسهم، والبرية جميع الخلق؛ لأن الله سبحانه برأهم؛ أي: أوجدهم بعد العدم، يقال: برأ؛ أي: خلق، والبارىء: الخالق، والبرية: الخليقة (?)، وقرأ الأعرج وابن عامر ونافع وابن ذكوان: {البرئة} بالهمز في الموضعين، من برأ بمعنى خلق، وقرأ الجمهور: {الْبَرِيَّةِ} بشد الياء فيهما، فاحتمل أن يكون أصله الهمز، ثم سُهل بالإبدال وأُدغم، واحتمل أن يكون من البراء وهو التراب، قال الفراء (?): إن أُخذت البرية من البراء؛