وقصارى ما سلف: أن أهل الكتاب افترقوا في أصول الدين وفروعه، مع أنهم ما أمروا إلا بأن يعبدوا الله ويخلصوا له في عقائدهم وأعمالهم، وأن لا يقلدوا فيها أبًا ولا رئيسًا، وأن يردوا إلى ربهم وحده كل ما يعرض لهم من خلاف، وهذا ما نعاه الله من حال أهل الكتاب في افتراقهم في دينهم، فما بالنا نحن معشر المسلمين وقد ملأنا ديننا بدعًا ومحدثات، وتفرقنا فيه شيعًا، أفليس ما نحن فيه من ذل وهوان وضعف بين الأمم جزاء من ربنا لما صرنا إليه من انحراف عن منهج الشرع القويم، والسير على الصراط المستقيم.
6 - ثم بيَّن سبحانه حال الفريقين في الآخرة بعد بيان حالهم في الدنيا، فقال: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ} وهذا (?) شروع في بيان مقر الأشقياء وجزاء السعداء، وحكم على الكفار من الفريقين بأمرين:
أحدهما: الخلود في النار.
والثاني: كونهم شر البرية، وبدأ بأهل الكتاب؛ لأنهم كانوا يطعنون في نبوته - صلى الله عليه وسلم -، فجنايتهم أعظم؛ لأنهم أنكروه مع العلم به، و {شَرُّ الْبَرِيَّةِ} ظاهره العموم، وقيل: {شَرُّ الْبَرِيَّةِ} الذين عاصروا الرسول - صلى الله عليه وسلم -؛ إذ لا يبعد أن يكون في كفار الأمم الماضية من هو شر من هؤلاء كفرعون وعاقر ناقة صالح عليه السلام اهـ من "البحر"، وذكر المشركين؛ لئلا يتوهم اختصاص الحكم بأهل الكتاب حَسَب اختصاص مشاهدة شواهد النبوة في الكتاب بهم.
وقوله: {فِي نَارِ جَهَنَّمَ} خبر {إِنَّ}؛ أي: مشتركون (?) في نار جهنم؛ أي: في جنس العذاب لا في نوعه، وهذا جواب عن سؤال مقدر تقديره: أن كفر المشركين أشد من كفر أهل الكتاب؛ لأن المشركين ينكرون التوحيد والرسالة والكتاب والبعث وما يترتب عليها، وأهل الكتاب يؤمنون بأكثرها، كإقرارهم بالبعث، ومقتضى الحكمة أن يزاد في عذاب من زاد كفره على عذاب غيره، وقد سوى بينهم في هذه الآية بحسب الظاهر اهـ "شهاب"، و"زاده".
ومعنى كونهم فيها أنهم يصيرون إليها يوم القيامة، وإيراد (?) الجملة الاسمية