تركتك، بل أنت عندي اليوم أشد تمكينًا وأقرب اتصالًا.
ولقد صدق الله وعده، فما زال يسمو بنبيه ويرفع درجته يومًا بعد يوم، حتى بلغ الغاية التي لم يبلغها أحد قبله، فجعله رسول الرحمة والهداية والنور إلى جميع خلقه، وجعل محبته من محبة الله، واتباعه والاقتداء به سببًا للفوز العظيم، وجعله وأمته شهداء على الناس جميعًا، ونشر دينه وبلغ دعوته إلى أطراف المعمورة، فأي فضل فوق ذلك الفضل، وأي نعمة أصفى من هذه النعمة، وأي إكرام فوق هذا الإكرام؟ وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء،
5 - ثم زاده في البشرى، فقال: {وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّك} و {اللام} (?) فيه للابتداء، دخلت على الخير؛ لتأكيد مضمون الجملة، والمبتدأ محذوف تقديره: ولأنت سوف يعطيك ربك؛ لأن لام الابتداء لا تدخل إلا على الجملة الاسمية، وليست للقسم؛ لا تدخل على المضارع إلا مع النون المؤكدة، وجمعها مع {سوف}؛ للدلالة على أن الإعطاء كائن لا محالة وإن تراخى لحكمة يعني: أن لام الابتداء لما تجردت؛ للدلالة على التأكيد، وكانت {سوف} تدل على التأخير والتنفيس .. حصل من اجتماعهما أن العطاء المتأخر لحكمة كائن لا محالة، وكانت اللام لتأكيد الحكم المقترن بالاستقبال، وقيل (?): {اللام}: للقسم، قال أبو علي الفارسي: ليست هذه اللام هي التي في قولك: إن زيدًا لقائم، بل هي التي في قولك: لأقومن، ونابت {سوف} عن إحدى نوني التوكيد، فكأنه قال: وليعطينك، قيل: المعنى: ولسوف يعطيك ربك الفتح في الدنيا والثواب في الآخرة فترضى، وقيل: الحوض والشفاعة، وقيل: ألف قصر من لؤلؤ أبيض ترابه المسك، كما ورد، وقيل: غير ذلك، والظاهر أنه سبحانه يعطيه ما يرضى به من خيري الدنيا والآخرة، وأهم ذلك عنده وأقدمه لديه قبول شفاعته لأمته.
{فَتَرْضَى} ما تعطاه مما يطمئن به قلبك، وهو معطوف على ما قبله بالفاء، والآية عدة (?) كريمة شاملة لما أعطاه الله سبحانه وتعالى في الدنيا من كمال النفس وعلوم الأولين والآخرين، وظهور الأمر وإعلاء الدين بالفتوحات الواقعة في عصره - صلى الله عليه وسلم -، وفي عمر خلفائه الراشدين، وغيرهم من الملوك الإِسلامية، وفشوّ الدعوة