أرزاقه وتربية أولاده، وإلى مقارعة الخطوب والنوازل ومصابرة النفس على الطاعة والخضوع للواحد المعبود، ثم بعد هذا كله يمرض ويموت ويلاقي في قبره وفي آخرته من المشاق والمتاعب ما لا يقدر عليه إلا بتيسير الله سبحانه.
والسر في ذكر هذه الجملة تسلية رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على ما يلاقيه من إذاية الكفار، كما مر آنفًا، وتنبيه المغرورين الذين يشعرون بالقوة في أنفسهم، ويظنون أنهم بها يستطيعون مصارعة الأقران، وكأنه يقول لهم: لا تتمادوا في غروركم ولا تستمروا على صلفكم وكبريائكم، فإن الإنسان لا يخلو من العناء في تصريف شؤونه وشؤون ذويه، ومهما عظمت منزلته وقويت شكيمته فهو لا يستطيع الخلاص من مشاق الحياة.
وقد جمع سبحانه بين البلد المعظم والوالد والولد، يشير إلى أن مكة على ما بها من عمل أهلها ستلد مولودًا عظيمًا، يكون إكليلًا لمجد النوع الإنساني وشرفه؛ وهو دين الإِسلام الذي جاء به محمد - صلى الله عليه وسلم -، وأن العناء الذي يلاقيه إنما هو العناء الذي يصيب الوالد في تربية ولده والمولود في بلوغ الغاية في سبيل نموه، إلى ما فيه من الوعد بإتمام نوره ولو كره الكافرون.
5 - والضمير في قوله: {أَيَحْسَبُ} لبعض صناديد قريش، الذين كان - صلى الله عليه وسلم - يكابد منهم أكثر مما يكابد من غيرهم، كالوليد بن المغيرة وأضرابه {أَنْ} مخففة من الثقيلة سادَّةٌ مع اسمها مسد مفعولي الحسبان؛ أي: أيظن (?) الإنسان المعهود الذي هو أبو الأَشُد، أو جنس بني آدم أن الحال الشأن {لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ}؛ أي: على الانتقام منه {أَحَدٌ} فحسبانه الناشىء عن غلظ الحجاب، ومرض القلب فاسد؛ لأن الله الأحد يقدر عليه، وهو عزيز ذو انتقام،
6 - ثم أخبر سبحانه عن مقال هذا الإنسان، فقال: {يَقولُ} ذلك الظان على سبيل الرعونة والخيلاء {أَهْلَكْتُ}؛ أي: أنفقت كقول العرب: خسرت عليه كذا إذا أنفق عليه {مَالًا لُبَدًا}؛ أي: مالًا كثيرًا متلبدًا مجتمعًا بعضه إلى بعض، من تلبد الشيء إذا اجتمع، يريد كثرة ما أنفقه سمعة ومفاخرة، وكان أهل الجاهلية يسمون مثل ذلك مكارم، ويدعونه معالي ومفاخر.
قال الليث (?): {مَالًا لُبَدًا}، لا يُخاف فناؤه لكثرته، قال الكلبي ومقاتل: