يتذكر فيه كل أحد كائنًا من كان ما عمله في الدنيا من خير أو شر، بأن يشاهده مدونًا في صحيفة أعماله، وقد نسيه من فرط الغفلة وطول الأمد، كما قال تعالى: {أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ}، وقيل: {يَوْمَ} بدل من {فَإِذَا} في قوله: {فَإِذَا جَاءَتِ} بدل بعض من كل على تقدير الرابط، تقديره: فيوم يتذكر الإنسان فيه ما سعى، يكون من عظائم الأمور ما لا يخطر ببال، أو بدل كل من كل، فلا حاجة إلى الرابط.
36 - وقوله: {وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ} معطوف على {جَاءَتِ}؛ أي: أظهرن إظهارًا بينًا لا يخفى على أحد بعد أن كانوا يسمعون بها، والمراد بها: مطلق النار المعبر عنها بجهنم، لا الدركة المخصوصة من الدركات السبع، {لِمَنْ يَرَى} كائنًا من كان على ما يفيده {من}؛ فإنه من ألفاظ العموم، روي أنه يكشف عنها فتتلظى، فيراها كل ذي بصر مؤمن أو كافر، ولا يعارضه قوله تعالى: {وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغَاوِينَ (91)}؛ فإنه يدل على أنها لا تظهر للمؤمنين؛ لأنهم يرونها حين يقرون عليها مجاوزين الصراط لا لتعذيبهم، وقيل: للكافر فقط لأن المؤمن يقول: أين النار التي توعدنا بها، فيقال: مررتموها وهي خامدة.
والمعنى: أي وإذا برزت الجحيم لمن يرى .. يكون من عظام الأمور ما لا يخطر ببال.
37 - والفاء في قوله: {فَأَمَّا مَنْ طَغَى (37)} إلخ استئنافية، والكلام بعدها مستانف مسوق لبيان حال الناس في الدنيا، وجزائهم في الآخرة، وقيل: الجملة جواب {إذا} في قوله: {فَإِذَا جَاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى (34)}.
وقرأ الجمهور (?): {وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ} مبنيًا للمفعول مشدد الراء، وقرأ أبو نهيك وأبو السمال وهارون عن عمرو: {وبرزت الجحيم} مبنيًا للفاعل مخففا، وقرأ الجمهور: {لِمَنْ يَرَى} بياء الغيبة التحتانية، وقرأت عائشة ومالك بن دينار وعكرمة وزبد بن علي: {لمن ترى} بتاء الغيبة؛ أي: لمن تراه الجحيم، أو بتاء الخطاب؛ أي: لمن تراه أنت يا محمد، وقرأ ابن مسعود: {لمن رأى} على صيغة الفعل الماضي.
ومعنى الآيات: {فَإِذَا جَاءَتِ الطَّامَّةُ}؛ أي: فإذا (?) حل ذلك اليوم الذي تشيب من هوله الولدان، وتشاهد فيه النار، فينسى المرء كل هول دونها .. فصل الله بين