فعاقبه الله بكلمته الآخرة، وهي قوله: {أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى}، وبكلمته الأولى: وهي قوله: {مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي}، وكان بينهما أربعون سنة على ما قيل، فالله تعالى يمهل ولا يهمل، وقال السري (?): العبد إذا تزيَّا بزي السيد صار نكالًا، ألا ترى كيف ذكر الله في قصة فرعون لما ادعى الربوبية، فأخذه الله ... إلخ، كذبه كل شيء حتى نفسه، وفي "الوسيط": عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قال موسى: يا رب، أمهلت فرعون أربع مئة سنة، ويقول: {أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى}، ويكذب بآياتك، ويجحد برسلك، فأوحى الله إليه: كان حسن الخلق، سهل الحجاب، فأردت أن أكافئه؛ أي: مكافئة دنيوية، وكذا حسنات كل كافر، وأما المؤمن .. فأكثر ثوابه في الآخرة، ودلت الآية على أن فرعون مات كافرًا، وفي "الفتوحات المكية": فرعون ونمروذ مؤبدان في النار. انتهى. وغير هذا من أقوال بعضهم محمول على المباحثة، فصن لسانك عن الإطالة؛ فإنها من أشد ضلالة.
26 - {إِنَّ فِي ذَلِكَ}؛ أي: إن فيما ذكر من قصة فرعون وما فعل به {لَعِبْرَةً}؛ أي: اعتبارًا عظيمًا، وعظةً بليغةً {لِمَنْ يَخْشَى}؛ أي: لمن من شأنه أن يخشى الله سبحانه، وهو من شأنه المعرفة، يعني: العارف بالله وشؤونه يخشى، فلا يتمرد على الله، ولا على أنبيائه؛ خوفًا من نزول العذاب، والعاقل من وعظ بغيره.
والمعنى (?): أي إن فيما ذكر لموعظة لمن له عقل يتدبر به في عواقب الأمور ومصايرها، فينظر في حوادث الماضين، ويقيس بها أحوال الحاضرين ليتعظ بها.
27 - وقوله: {أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا} خطاب (?) لأهل مكة المنكرين للبعث بناءً على صعوبته في زعمهم بطريق التوبيخ والتبكيت بعدما بين كمال سهولته بالنسبة إلى قدرة الله تعالى بقوله تعالى: {فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ (13)} فالشدة هنا بمعنى: الصعوبة، لا بمعنى: الصلابة؛ لأنها لا تلائم المقام؛ أي: أخلقكم بعد موتكم أشق وأصعب في تقديركم وزعمكم؛ وإلا فكلا الأمربن بالنسبة إلى قدرة الله تعالى واحد. {أَمِ السَّمَاءُ}؛ أي: أم خلق السماء بلا مادة على عظمها وقوة تأليفها، وانطوائها على البدائع التي تجار العقول في ملاحظة أدناها، وهو (?)، استفهام تقرير ليقروا بأن خلق السماء أصعب،