فصار عما، ثم حذفت الألف كما في لِمَ وبِمَ وفيمَ وإلامَ وعلامَ، فإنها في الأصل: لما وبما وفيما وإلى ما وعلى ما؛ إما فرقًا بين الاستفهامية وغيرها، أو قصدًا للخفة لكثرة استعمالها، وقد جاءت في العشر غير محذوفة، كما ذكره أبو البقاء، ومنه قول الشاعر:

عَلَى مَا قَامَ يَشْتُمُنِي لَئِيْمٌ ... كَخِنْزِيْرٍ تَمَرَّغَ فِيْ رَمَادِ

ولكنه قليل لا يجوز إلا لضرورة، وما فيها من الإبهام للإيذان بفخامة شأن المسؤول عنه وهوله، وخروجه عن حدود الأجناس المعهودة، كأنه خفي جنسه، فيسأل عنه، فالاستفهام ليس على حقيقته، بل لمجرد التفخيم، فإن المسؤول عنه ليس بمجهول بالنسبة إلى الله تعالى إذ لا تخفى عليه خافية، قال الزجاج: اللفظ لفظ استفهام، والمعنى تفخيم القصة، كما تقول أي شيء تريد؟ إذا عظمت شأنه، وقرأ الجمهور (?): {عَمَّ} بحذف الألف لما ذكرنا آنفًا، وقرأ أبي وابن مسعود وعكرمة وعيسى: {عما} بالألف، وهو أصل: عم، ولكنه قليل كما مر آنفًا، وقرأ الضحاك واين كثير في رواية والبزي: {عمه} بهاء السكت عوضًا عن الألف إجراء للوصل مجرى الوقف لأن الأكثر في الوقف على ما الاستفهامية هو إلحاق هاء السكت إذا أضيف إليها نحو: مجيء مه، والاستفهام عن هذا فيه تفخيم وتهويل وتقرير وتعجيب، كما تقول أي رجل تريد؟ وزيد ما زيد؟ كأنه لما كان عدم النظير أو قليله خفي عليك جنسه، فأخذت تستفهم عنه، ثم جردت العبارة عن تفخيم الشيء، فجاء في القرآن، والمعنى عن أي شيء عظيم يتساءلون.

{يَتَسَاءَلُونَ}؛ أي أهل مكة، وكانوا يتساءلون عن البعث والحشر الجسماني ويتحدثون فيما بينهم، ويخوضون فيه إنكارًا واستهزاءً، لكن لا على طريق التساؤل عن حقيقته ومسماه، بل عن وقوعه الذي هو حال من أحواله، ووصف من أوصافه، فإن (ما) وإن وضعت لطلب حقائق الأشياء، ومسميات أسمائها، كما في قولك: ما المَلَك، وما الروح؟ لكنها قد يطلب بها الصفة والحال، تقول: ما زيد؟ فيقال عالم أو طبيب، وقيل: يتساءلون عن القرآن، وإنما كان عظيمًا؛ لأنه ينبىء عن التوحيد وتصديق الرسول ووقوع البعث والنشور، قال الفراء: التساؤل هو أن يسأل بعضهم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015