عن فائدة موتي لكم سواء أماتني الله ومن معي أو أخّر أجلنا؛ فأي راحة لكم في ذلك؟ وأي منفعة لكم فيه؟ ومن ذا الذي يجيركم من عذاب الله إذ نزل بكم؟ أتظنون أن الأصنام أو غيرها تجيركم؟ وهلا تمسكتم بما يخلصكم من العذاب فتقروا بالتوحيد والنبوة والبعث؟!
وخلاصة هذا: أنه لا مجير لكم من عذاب الله بسبب كفركم الموجب لهذا العذاب، سواء هلكنا كما تتمنون ففزنا برحمة الله، أو انتصرنا عليكم ورفعنا شأن الإِسلام كما نرجو، فكلا الأمرين فيه ظفر بما ينبغي، وقيل لما نحب ونهوى، وفي هذا إيماء إلى أمرين:
1 - حثهم على طلب الخلاص بالإيمان الخالص لله والإخبات إليه.
2 - أنه كان ينبغي أن يكون ما هم فيه شاغلًا لهم عن تمنّي هلاك النبي - صلى الله عليه وسلم - ومن معه من المؤمنين.
29 - {قُلْ} لهم يا محمد {هُوَ}؛ أي: الذي أدعوكم إلى عبادته {الرَّحْمَنُ} الرحيم مولي النعم كلها، وموصلها إلى الخلق كلهم {آمَنَّا بِهِ} وحده لما علمنا أن كل ما سواه فإما نعمة أو مُنْعَمٌ عليه، ولم نكفر به كما كفرتم، على أن يكون وقوع {آمنا} مقدمًا على {به} تعريضًا للكفّار، حيث ورد عقيب ذكرهم. {وَعَلَيْهِ} لا على غيره {تَوَكَّلْنَا}؛ أي: اعتمدنا؛ أي: فوّضنا أمورنا إليه لا إلى غيره أصلًا كما فعلتم أنتم حيث توكّلتم على رجالكم وأموالكم، لعلمنا بأن ما عداه كائنًا ما كان بمعزل من النفع والضرّ؛ فوقوع {عليه} مقدمًا يدل على الاختصاص، قال الزمخشري: فإن قلت: لِمَ أخَّر مفعول {آمَنَّا} وقدم مفعول {تَوَكَّلْنَا}؟
قلت: لوقوع {آمَنَّا} تعريضًا بالكافرين حين ورد عقيب ذكرهم؛ كأنّه قيل: آمنا ولم نكفر كما كفرتم، ثم قال: وعليه توكلنا خصوصًا لم نتوكل على ما أنتم متوكلون عليه من رجالكم وأموالكم .. كرخي. {فَسَتَعْلَمُونَ} يا كفّار مكة عن قريب ألبتة عند معاينة العذاب {مَنْ} استفهامية أو موصولة {هُوَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} منّا ومنكم، أي: خطأ ظاهر. أي: قل لهم: آمنّا برب العالمين الرحمن الرحيم، وعليه توكّلنا في جميع أمورنا، وهو سيجيرنا من عذاب الآخرة، وفي هذا تعريض بهم حيث اتكلوا على أولادهم وأموالهم {وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ (35)}