السموات والأرض عن أن يسوغوه تلك اللقمة. وإعرابه كإعراب ما سبق.
والمعنى (?): على تقدير كون (من) موصولة: الله الرازق ذو القوة المتين يرزقكم أم الذي يقال في حقه: هذا الحقير المهين الذي تدعون أنّه يرزقكم؟ وجواب الشرط محذوف لدلالة ما قبله عليه. أي: إن أمسك رِزقَهُ فمن يرزقكم غيره.
قال بعض المفسرين: كان الكفّار يمتنعون عن الإيمان، ويعاندون الرسول - صلى الله عليه وسلم - معتمدين على شيئين.
أحدهما: اعتمادهم على مالهم وعددهم.
والثاني: اعتقادهم أنّ الأوثان توصل إليهم جميع الخيرات، وتدفع عنهم جميع الآفات؛ فأبطل الله عليهم الأول بقوله: {أَمَّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ جُنْدٌ لَكُمْ ...} إلخ، ورد عليهم الثاني بقوله: {أَمَّنْ هَذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ ...} إلخ.
وقوله سبحانه وتعالى: {بَلْ لَجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُور} إضراب عن مقدر يستدعيه المقام كأنّه قيل؛ إثر التبكيت والتعجيز لم يتأثروا بذلك ولم يذعنوا للحق {بَلْ لَجُّوا} وتمادوا {فِي عُتُوٍّ} أي: عنادٍ واستكبار وطغيان {وَنُفُورٍ} أي: شراد عن الحق، وتباعد وإعراض عنه لمضادتهم الحق بالباطل الذي أقاموا عليه. فاللجاج: التمادي في العناد في تعاطي الفعل المزجور عنه. والعتو: التجاوز عن الحد. والنفور: الفرار من الحق. ففيه تحقير لهم، وإشارةٌ إلى أنهم {كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ (50) فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ (51)}.
والمعنى (?): بل من هذا الذي يرزقكم إن منع ربكم عنكم أسباب رزقه من الأمطار وغيرها، أو وقف الهواء فلم تجر الرياح، أو جعل ماء البحر غورًا.
والخلاصة: أنه لا جند لكم ينصركم إن هو عذبكم، ولا رازق يرزقكم إن هو حرمكم أرزاقكم. وبعد أن حصحص الحق قال مبينًا عتوهم وطغيانهم {بَلْ لَجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ} أي: إنهم يعلمون ذلك حق العلم ويعبدون غيره، فما هذا منهم إلا عنادٌ واستكبارٌ ونفورٌ عن قبول الحق، وما جرأهم على هذا إلا الشيطان الذي غرهم بوسوسته، فظنوا أن آلهتهم تنفعهم تدفع التفسير عنهم، وتقربهم إلى ربهم زلفى.