[12]

فتخلصون وتفلحون. فعلى العاقل تبديل الفاني بالباقي، فإنه خير له. وروي: أنه جاء رجل بناقة مخطومة وقال: هذه في سبيل الله، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لك بها يوم القيامة سبع مئة ناقة، كلها مخطومة".

أي: هذا الإيمان والجهاد خير لكم من كل شيء، من نفس ومال، وولد، إن كنتم من أهل الإدراك والعلم بوجوه المنافع وفهم المقاصد، فإن الأمور إنما تتفاضل بغاياتها ونتائجها،

12 - ولهذه التجارة فوائد عاجلة وأخرى آجلة، وقد فصّل كلا الأمرين، وقدم الثانية فقال: {يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} في الدنيا، وهو جواب الأمر المدلول عليه بلفظ الخير، ويجوز أن يكون جوابًا لشرط أو لاستفهام دل عليه الكلام، تقديره: إن تؤمنوا وتجاهدوا .. يغفر لكم، أو هل تقبلون وتفعلون ما دللتكم عليه. وقال الفراء: {يَغْفِرْ لَكُمْ} جواب الاستفهام، فجعله مجزومًا لكونه جواب الاستفهام. وقد غلطه بعض أهل العلم؛ لأن مجرد الدلالة لا يوجب المغفرة. وقال الرازي في توجيه قول الفراء: إن {هَلْ أَدُلُّكُمْ} في معنى الأمر عنده، يقال: هل أنت ساكت؛ أي: اسكت. وبيانه: أن {هَلْ} بمعنى الاستفهام، ثم يتدرج إلى أن يصير عرضًا وحثًا بمعنى: ألا، والحث كالإغراء، والإغراء أمر.

وقرأ بعضهم بالإدغام (?) في {يَغْفِرْ لَكُمْ}. والأولى ترك الإدغام؛ لأن الراء حرف متكرر فلا يحسن إدغامه في اللام.

{وَيُدْخِلْكُمْ} في الآخرة {جَنَّاتٍ}؛ أي: كل واحد منكم جنّة. ولا بعد من لطفه تعالى أن يدخله جنات؛ بأن يجعلها خاصة له داخلة تحت تصرفه. والجنة في اللغة: البستان الذي فيه أشجار متكاثفة مظللة تستر ما تحتها. {تَجْرِي} وتسيل {مِنْ تَحْتِهَا}؛ أي: من تحت أشجارها. بمعنى (?) تحت أغصان أشجارها في أصولها على عروقها، أو من تحت قصورها وغرفها. {الْأَنْهَارُ} الأربعة في الجنة؛ من اللبن، والعسل، والخمر، والماء الصافي {وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً}؛ أي: ويدخلكم مساكن طيبة ومنازل نزهة كائنة {في جَنَّاتِ عَدْنٍ}؛ أي: إقامة وخلود، بحيث لا يخرج منها من دخلها بعارض من العوارض. وهذا ظرف صفة مختصة بـ {مساكن}.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015