وقرأ الجمهور (?): {تُؤْمِنُونَ} {وَتُجَاهِدُونَ}، فوجه المبرد هذه القراءة على أنه خبر بمعنى الأمر، بمعنى: آمنوا وجاهدوا. ولذلك جاء {يَغْفِرْ} مجزومًا، فصورته صورة الخبر، ومعناه: الأمر. ويدل عليه قراءة عبد الله. وقرأ عبد الله: {آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجَاهِدُوا} بصيغة الأمر. وقرأ زيد بن علي: {تؤمنوا بالله ورسوله وتجاهدوا} بالتاء فيهما مع حذف النون. فتوجه هذه القراءة على حذف لام الأمر، والتقدير: لتؤمنوا وتجاهدوا، كقول الشاعر:
قُلْتُ لِبَوَّابٍ عَلَى بَابِهَا ... تَأْذَنْ لِي إِنِّي مِنْ احْمَائِهَا
يريد: لتأذن لي.
واعلم (?): أن الجهاد له ضروب شتى: جهاد للعدو في ميدان القتال لنصرة الدين، وجهاد للنفس بقهرها ومنعها عن شهواتها التي ترديها، وجهاد بين النفس والخلق بترك الطمع في أموالهم والشفقة عليهم والرحمة بهم، وجهاد بين المرء والدنيا بأن لا يتكالب على جمع حطامها وأن لا ينفق المال إلا فيما تجيزه الشرائع وتقره العقول السليمة.
والمعنى (?): يا أيها الذين آمنوا بالله وصدقوا رسوله .. ألا أدلكم على صفقة رابحة وتجارة نافعة، تنالون بها الربح العظيم. والنجح الخالد الباقي؟ اثبتوا على إيمانكم، وأخلصوا لله العمل، وجاهدوا بالأنفس والأموال في سبيل الله بنشر دينه وإعلاء كلمته. وهذا أسلوب يفيد التشويق والاهتمام بما يأتي بعده، كما تقول: هل أدلك على عالم عظيم ذي خلق حسن وعلم فياض؟ هو فلان. فيكون ذلك أروع في الخطاب وأجلب لقَبوله.
{ذَلِكُمْ} المذكور من الإيمان والجهاد بقسميه {خَيْرٌ لَكُمْ} على الإطلاق، أو من أموالكم وأنفسكم {إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ}؛ أي (?): إن كنتم من أهل العلم، فإن الجهلة لا يعتد بأفعالهم. أو إن كنتم تعلمون أنه خير لكم حينئذٍ؛ لأنكم إذا علمتم ذلك واعتقدتموه .. أحببتم الإيمان والجهاد فوق ما تحبون أنفسكم وأموالكم،