تركوا فعل الخير وقد وَعدوا بفعله، كما مرّ آنفًا. وبهذه الآية وبما ثبت في السنة من نحو قوله - صلى الله عليه وسلم -: "آية المنافق ثلاث: إذا وعد أخلف، وإذا حدث كذب، وإذا اؤتمن خان". استدل السلف على وجوب الوفاء بالوعد.
3 - ثم بيّن شدة قبح ذلك، وأنه بلغ الغاية في بغض الله له، فقال: {كَبُرَ مَقْتًا}؛ أي: عظم جرمًا {عِنْدَ اللَّهِ} سبحانه {أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ} ذاك أن الوفاء بالوعد دليل على كريم الشيم، وجميل الخصال، وبه تكون الثقة بين الجماعات، فترتبط برباط المودة والمحبة حين يتعامل بعض أفرادها مع بعض، ويكونون يدًا واحدة فيما انتووا من الأعمال، والعكس بالعكس، فإذا فشا في أمة خلف الوعد .. قلت الثقة بين أفرادها وانحلت عرا الروابط بينهم، وأصبحوا عقدًا متناثرًا لا ينتفع به ولا يخاف منهم عدوّ إذا اشتدت الأزمات وعظمت الخطوب؛ لما يكون بينهم من التواكل وعدم ائتمان بعضهم بعضًا.
و {كَبُرَ} من (?) باب نعم وبئس، فيه ضمير مبهم مفسر بالنكرة بعده، و {أَنْ تَقُولُوا} هو المخصوص بالذم، ويجيء الخلاف فيه، هل رفعه على الابتداء، وخبره الجملة المتقدمة عليه أو خبره محذوف، أو هو خبر مبتدأ محذوف؟ والمقت: البغض الشديد لمن يراه متعاطيًا لقبيح، وكان يسمى تزوُّج امرأة الأب: نكاح المقت. و {مَقْتًا} منتصب على التمييز و {عِنْدَ اللَّهِ}: ظرف للفعل، بمعنى: في علمه وحكمته. والكلام بيان لغاية قبح ما فعلوه. أي: عظم بغضًا في علمه تعالى وحكمته هذا القول المجرد، فهو أشد ممقوتية ومبغوضية، فمن مقته الله .. فله النار، ومن أحبه الله .. فله الجنة. وقيل: إنه قصد بقوله: {كَبُرَ} التعجب، وقد عده ابن عصفور من أفعال التعجب. وقيل: إنه ليس من أفعال الذم ولا من أفعال التعجب بل هو مسند إلى {أَنْ تَقُولُوا}. و {مَقْتًا}: تمييز محول عن الفاعل.
فائدة: وأوحى الله تعالى إلى عيسى بن مريم عليهما السلام: يا ابن مريم، عظ نفسك، فإن اتعظت فعظ الناس، وإلا فاستحيي مني.
لَا تَنْهَ عَنْ خُلُقٍ وَتَأْتِيَ مِثْلَهُ ... عَارٌ عَلَيْكَ إِذَا فَعَلْتَ عَظِيْمُ