[21]

الآخرة بالخزي والنكال والعذاب الأليم، كما قال سبحانه: {رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ (192)}. وفي هذا بشارة للمؤمنين بأنه سيظهرهم على عدوهم، ويكتب لهم الفوز، ويكونون هم الأعزاء وسواهم الأذلاء.

21 - ثم أكد ما سلف بقوله: {كَتَبَ اللَّهُ} سبحانه وتعالى، استئناف وارد لتعليل كونهم في الأذلين؛ أي: كتب الله سبحانه، وأثبت في اللوح المحفوظ. ولما جرى ذلك مجرى القَسَم .. أجيبَ بما يُجاب به القَسَم، حيث قال: {لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي}، أكده لما لهم من ظن الغلبة بالكثرة والقوة، والمراد: الغلبة بالحجة والسيف أو بأحدهما. والغلبة بالحجة ثابتة لجميع الرسل؛ لأنهم الفائزون بالعاقبة الحميدة في الدنيا والآخرة. وأما الغلبة بالسيف: فهي ليست ثابتة للجميع؛ لأن منهم من لم يؤمر بالحرب. قال الزجاج: غلبة الرسول على نوعين: من بعث منهم بالحرب .. فهو غالب بالحرب، ومن لم يؤمر بالحرب .. فهو غالب بالحُجة. وإذا انضم إلى الغلبة بالحجة الغلبة بالسيف. كان أقوى.

أي: كتب الله في اللوح المحفوظ وقضى في سابق علمه لأغلبن أنا ورسلي بالحجة والسيف. وعن مقاتل: أنه لما قال المؤمنون: لئن فتح الله لنا مكة والطائف وخيبر وما حولهن رجونا أن يظهرنا الله تعالى على فارس والروم .. قال رئيس المنافقين عبد الله بن أبيّ ابن سلول: أتظنون الروم وبعض فارس كبعض القرى التي غلبتم عليها؟ والله إنهم لأكثر عددًا وأشد بطشًا من أن تظنوا فيهم ذلك، فنزل قوله تعالى: {كَتَبَ اللَّهُ ...} الآية، ونحو الآية قوله تعالى: {وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ (171) إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ (172) وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ (173)}.

وحاصل المعنى: أي قضى الله وحكم في أمّ الكتاب بأن الغلبة بالحجة والسيف، وما يجري مجراهما تكون لله ورسله، فقد أهلك كثيرًا من أعدائهم بأنواع من العذاب: كقوم نوح وقوم صالح، وقوم لوط وغيرهم. والحرب بين نبينا وبين المشركين وإن كانت سجالًا كانت العاقبة فيها له - صلى الله عليه وسلم -، ثم تكون لأتباعه من بعده ما داموا على سننه، محافظين على الحدود التي أمروا بها، وجاهدوا عدوهم جهادًا خالصًا لله على نحو جهاد الرسل، لا لطلب ملك وسلطان، ولا لطلب دنيا ومال، ولا لطلب جاه ومقام عال.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015