على أكمل الوجوه؛ لما فيها من الإخبات والإنابة إليه، والإخلاص له في القول والعمل، ونهيها عن الفحشاء والمنكر، ولما في الزكاة من تطهير النفوس وإزالة الشحّ بالمال المستحوذ على القلوب الدافع لها إلى ارتكاب الشرور والآثام، وأطيعوا الله فيما يأمركم به من الفرائض والواجبات وينهاكم عنه من الموبقات.

{وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ}؛ أي: عالم بالذي تعملون من الأعمال الظاهرة والباطنة، لا تخفى عليه خافية فيجازيكم عليه، فاعملوا ما أمركم به ابتغاء لمرضاته لا لرياء وسمعة، وتضرعوا إليه خوفًا من عقوباته خصوصًا بالجماعة يوم الجمعة. وقرأ عياش عن أبي عمرو (?): {يعملون} بالتحتية، والجمهور بالفوقية. ومن الأدعية النبوية: "اللهم: طهر قلبي من النفاق وعملي من الرياء، ولساني من الكذب، وعيني من الخيانة. إنك تعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور".

وفي تخصيص الصلاة والزكاة بالذكر من بين العبادات المرادة بالأمر بالإطاعة العامة إشارة إلى علو شأنهما وإنافة قدرهما (?)؛ لأن الصلاة رئيس الأعمال البدنية، جامعة لجميع أنواع العبادات، من القيام والركوع والسجود والقعود، ومن التعوذ والبسملة والقراءة والتسبيح والتحميد والتهليل والتكبير، والصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم -، ومن الدعاء الذي هو مخّ العبادة، ومن ذلك سميت صلاة، وهي الدعاء لغة. فهي عبادة من عبد الله تعالى بها .. فهو محفوظ بعبادة العابدين من أهل السماوات والأرضين، ومن تركها .. فهو محروم منها. فطوبى لأهل الصلاة، وويل لتاركها. وإن الزكاة هي أمّ الأعمال المالية، بها يطهر القلب من دنس البخل، والمال من خبث الحرمة، فعلى هذا هي بمعنى الطهارة، وبها ينمو المال في الدنيا بنفسه؛ لأنه: {يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ}، وفي الآخرة بأجره؛ لأنه تعالى يضاعف لمن يشاء. وفي الحديث: "من تصدق بقدر تمرة من كسب حلال - ولا يقبل الله إلا الطيب - فإن الله يقبلها بيمينه ثم يربيها لصاحبها كما يربي أحدكم فلوّه، حتى تكون مثل الجبل". فعلى هذا هي من الزكاء، بمعنى النماء؛ أي: الزيادة.

فإن قلت: لم قدم المعمول على عامله في قوله السابق: {وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015