حبيش، وعاصم {فِي الْمَجَالِسِ} على الجمع؛ لأن لكل واحد منهم مجلسًا في بيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. وقرىء {في المجلس} بفتح اللام، وهو الجلوس؛ أي: توسعوا في جلوسكم، ولا تتضايقوا فيه.
والمعنى: أي يا أيها الذين آمنوا بالله، وصدقوا برسوله إذا قيل لكم: توسعوا في مجالس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أو في مجالس القتال .. فافسحوا يفسح الله في منازلكم في الجنة، أو في قبوركم، أو في قلوبكم، أو في الدنيا والآخرة، أقوال.
أخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل بن حيان قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم الجمعة في الصفة وفي المكان ضيق، وكان يكرم أهل بدر من المهاجرين والأنصار فجاء ناسٌ، منهم: ثابت بن قيس، وقد سبقوا إلى المجالس، فقاموا حيال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالوا: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، فرد النبي - صلى الله عليه وسلم -، ثم سلموا على القوم، فردوا عليهم، فقاموا على أرجلهم ينتظرون أن يوسع لهم، فلم يفسحوا لهم، فشق ذلك على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال لبعض من حوله: "قم يا فلان قم يا فلان" فأقام نفرًا بمقدار من قدم، فشق ذلك عليهم، وعرفت كراهيته في وجوههم، وطعن المنافقون وقالوا: والله ما عدل محمد على هؤلاء، إن قومًا أخذوا مجالسهم وأحبوا القرب منه أقامهم وأجلس من أبطأ عنه. فنزلت الآية.
ويستفاد من الآية أمور (?):
1 - أن الصحابة كانوا يتنافسون في القرب من مجلس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لسماع حديثه؛ لما فيه من الخير العميم والفضل العظيم، ومن ثم قال - صلى الله عليه وسلم -: "ليليني منكم أولو الأحلام والنهى".
2 - الأمر بالتفسح في المجالس، وعدم التضام فيها متى وجد إلى ذلك سبيل؛ لأن ذلك يدخل المحبة في القلوب، والاشتراك في سماع أحكام الدِّين.
3 - أن كل من وسع على عباد الله أبواب الخير والراحة .. وسع الله عليه خيرات الدنيا والآخرة. وبالجملة: فالآية تشتمل التوسع في إيصال جميع أنواع الخير إلى المسلم، وإدخال السرور عليه ومن ثم قال - صلى الله عليه وسلم -: "لا يزال الله في عون