فتنة بولس اليهودي. والأوّل أولى (?)، ورجحه أبو علي الفارسي وغيره.

وجملة {مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ} صفة ثانية لـ {رَهْبَانِيَّةً} أو مستأنفة مقررة لكونها مبتدعة من جهة أنفسهم. والمعنى: ما فرضنا عليهم تلك الرهبانية في كتابهم، ولا على لسان رسولهم.

وسبب ابتداعهم إياها (?): أن الجبابرة ظهروا على المؤمنين بعد رفع عيسى، فقاتلوا ثلاث مرات فقتلوا حتى لم يبق منهم إلا قليل، فخافوا أن يفتتنوا في دينهم، فاختاروا الرهبانية في قلل الجبال، فارين بدينهم، مخلصين أنفسهم للعبادة، منتظرين البعثة النبوية التي وعدها لهم عيسى عليه السلام، كما قال تعالى: {وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ} الآية.

وروي: أن الله تعالى لما أغرق فرعون وجنوده استأذن الذين كانوا آمنوا من السحرة موسى عليه السلام في الرجوع إلى الأهل والمال بمصر، فأذن لهم ودعا لهم فترهبوا في رؤوس الجبال، فكانوا أول من ترهب، وبقيت طائفة منهم مع موسى عليه السلام حتى توفاه الله تعالى؛ ثم انقطعت الرهبانية بعدهم حتى ابتدعها بعد ذلك أصحاب عيسى عليه السلام.

والرهبانية (?) بفتح الراء وضمها، وقد قرىء بهما، وهي بالفتح من الرهب. وهو الخوف. وبالضم منسوبة إلى الرهبان، وذلك لأنهم غلوا في العبادة، وحملوا على أنفسهم المشقات في الامتناع من المطعم والمشرب والملبس والمنكح، وتعلقوا بالكهوف والصوامع؛ لأن ملوكهم غيروا وبدلوا وبقي منهم نفر قليل، فترهبوا وتبتلوا. ذكر معناه الضحاك، وقتادة وغيرهما.

وحاصل المعنى (?): أن اتباع عيسى الذين ساروا على نهجه وشريعته اتصفوا بما يأتي:

1 - الرأفة بين بعضهم وبعض فيدفعون الشر ما استطاعوا إلى ذلك سبيل، ويصلحون ما فسد من أمورهم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015