[24]

وفي الآية (?): إشارة إلى أنه يلزم أن يثبت الإنسان على حالة واحدة في السراء والضراء، فإن كان لا بد له من فرح فليفرح شكرًا على إعطائه لا بطرًا، وإن كان لا بد من حزن فليحزن صبرًا على قضائه لا ضجرًا، وفي تخصيص (?) التذييل بالنهي عن الفرح المذكور إيذان بأنه أقبح من الأسى. قال قتيبة بن سعيد: دخلت على بعض أحياء العرب فإذا أنا بفضاء مملوء من الإبل الميتة بحيث لا تحصى، ورأيت شخصًا على تل يغزل صوفًا فسألته فقال: كانت باسمي فارتجعها من أعطاها، ثم أنشأ يقول:

لَا والَّذِيْ أَنَا عَبْدٌ مِنْ خَلَائِقِهِ ... وَالْمَرْءُ فِيْ الدَّهْرِ نَصَبُ الرِّزْءِ وَالْمِحَنِ

مَا سَرَّنِي أَنَّ إِبْلِيْ فِيْ مَبَارِكِهَا ... وَمَا جَرَى مِنْ قَضَاءِ الله لَمْ يَكُنِ

وبالجملة (?): فالحزن المذموم هو ما يخرج بصاحبه إلى ما يذهب عنه الصبر والتسليم لأمر الله ورجاء الثواب، والفرح المنهي عنه هو الذي يطغى على صاحبه ويلهيه عن الشكر، ولذا عقب بقوله: {وَاللَّهُ} سبحانه وتعالى: {لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ}؛ أي: متكبر بما أوتي من الدنيا {فَخُورٍ}؛ أي: مبالغ في الفخر به على الناس؛ فإن من فرح بالحظوظ الدنيوية، وعظمت في نفسه اختال، وافتخر بها لا محالة والمختال (?): المتكبر المعجب وهو من الخيلاء، وهو التكبر من تخيل فضيلة تترائى للإنسان من نفسه؛ أي: لا يحب الله من اتصف بهاتين الصفتين وهما: الاختيال والافتخار، وقيل: المختال الذي ينظر إلى نفسه، والفخور الذي ينظر إلى الناس بعين الاستحقار.

24 - وقوله: {الَّذِينَ يَبْخَلُونَ}؛ أي: يمسكون أموالهم، ولا يخرجون منها حق الله تعالى؛ فإن البخل إمساك المقتنيات عما يحق إخراجها فيه، ويقابله الجود. {وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ}؛ أي: بإمساك أموالهم عن إخراجها في الحقوق الواجبة بدل من {كُلَّ مُخْتَالٍ}. وقيل: هو مستأنف، لا تعلق له بما قبله، وهو في محل رفع بالابتداء، والخبر مقدر، فيكون بيانا لصفة اليهود.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015