[23]

بخلاف حال أهل الحضور؛ فإنهم يلتذون بالبلاء التذاذهم بالعافية، بل ولذة البلاء فوق لذة العافية، ومن أمثال العرب ضرب الحبيب زبيب؛ أي: لذيذ.

23 - {لِكَيْلَا تَأْسَوْا} يقال: أسى على مصيبة يأسى أسى من باب علم إذا حزن والجار والمجرور فيه متعلق بمحذوف، تقديره: أخبرناكم بإثباتها وكتابتها في كتاب لكيلا يحصل لكم الحزن والألم، أي: لكيلا تحزنوا حزنًا يوجب القنوط كما يقيد بذلك في الفرح، وإلا فالحزن والفرح: الطبيعيان لا يخلو عنهما الإنسان. {عَلَى مَا فَاتَكُمْ} من نعم الدنيا كالمال والخصب والصحة والعافية. {وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ}؛ أي: أعطاكم الله منها. فإن من علم أن كلا من المصيبة والنعمة مقدر يفوت ما قدر فواته، ويأتي ما قدر إتيانه لا محالة، لا يعظم جزعه على ما فات ولا فرحه بما هو آتٍ؛ إذ يجوز أن يقدر ذهابه عن قريب، وكل زائل عن قريب لا يستحق أن يفرح بحصوله، ولا يحزن على فواته.

وقرأ الجمهور (?): {بِمَا آتَاكُمْ} بالمد؛ أي: أعطاكم. وقرأ عبد الله {بما أوتيتم} مبنيًا للمفعول؛ أي: أعطيتم. وقرأ أبو العالية ونصر بن عاصم، وأبو عمرو {بما أتاكم} بالقصر؛ أي: جاءكم. واختار القراءة الأولى أبو حاتم، واختار القراءة الأخيرة أبو عبيد.

ومعنى الآية (?): أي أعلمناكم بتقدم علمنا، وسبق كتابتنا للأشياء قبل وجودها، لتعلموا أن ما أصابكم لم يكن ليخطئكم، وما أخطاكم لم يكن ليصيبكم، فلا تحزنوا على فائت، ولا تفرحوا بآت.

والخلاصة: أن كل شيء قدر في الكتاب فكيف نفرح أو نحزن. قال عكرمة: ليس أحد إلا وهو يفرح أو يحزن، ولكن اجعلوا الفرح شكرًا والحزن صبرًا.

وقال حكيم: الصبر مخرج من الشقاء فلا سعادة إلا بالصبر، ووصول النفس إلى كمالها الخلقي بحيث يمر المال والولد والقوة والعلم عليها، فيصيبها مرة ويخطئها أخرى، وهي مطمئنة لا يدخلها زهو ولا إعجاب بما نالت ولا حزن على ما فاتها، اهـ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015