والمعنى على القراءتين الأوليين: إن الناس الذي تصدقوا، واللاتي تصدقن أي صدقة سواء كانت حسنة أم لا، والذين أقرضوا الله قرضًا حسنًا واللاتي أقرضن كذلك، فاندفع ما يتوهم من التكرار؛ لأن الإقراض تصدق مقيد، وما قبله تصدق مطلق، وأما على القراءة الثالثة فلا إيهام، ولا إشكال.
وقوله: {يُضَاعَفُ لَهُمْ} على البناء للمفعول، مسند إلى ما بعده من الجار والمجرور. وقيل: إلى مصدر ما في حيز الصلة على حذف مضاف؛ أي: يضاعف لهم ثواب التصدق والإقراض الحسن، والجملة خبر {إِنَّ}، والمضاعفة هنا أن الحسنة بعشرة أمثالها إلى سبعمائة ضعف، وقوله: {وَلَهُمْ}؛ أي: لأولئك المتصدقين والمقرضين {أَجْرٌ كَرِيمٌ}؛ أي: ثواب حسن في الجنة. والأجر الكريم: هو الذي يقترن به رضا وإقبال.
وهذا العطف أعني: عطف {أَقْرَضُوا} على صلة الألف واللام على مذهب أبي عليّ الفارسي، ومن وافقه كالزمخشري، قال أبو حيّان (?): ولا يصح أن يكون معطوفًا على {الْمُصَّدِّقِينَ}؛ لأن المعطوف على الصلة صلة، وقد فصل بينهما بمعطوف، وهو قوله: {وَالْمُصَّدِّقَاتِ}. ولا يصح أيضًا أن يكون معطوفًا على صلة أن في {المصدقات} لاختلاف الضمائر. إذ ضمير المتصدقات مؤنث، وضمير {وَأَقْرَضُوا} مذكر. فالأولى أن يتخرج ما هنا على حذف الموصول لدلالة ما قبله عليه، فكأنّه قيل: والذين أقرضوا الله. فيكون مثل قوله:
فَمَنْ يَهْجُوْ رَسُوْلَ الله مِنْكُمْ ... وَيَمْدَحُهُ وَيَنْصُرُهُ سَوَاءُ
يريد: ومن يمدحه. وقيل: جملة {وَأَقْرَضُوا اللَّهَ} معترضة بين اسم {إِنَّ} وخبرها، وهو {يُضَاعَفُ}.
وقرأ الجمهور: {يُضَاعَفُ لَهُمْ} بالبناء للمفعول. وقرأ الأعمش (?) {يضاعفه لهم} بكسر العين على صيغة المعلوم، وزيادة الهاء. والفاعل ضمير يعود على الله. وقرأ ابن كثير، وابن عامر، ويعقوب {يُضَاعَفُ لَهُمْ} بتشديد العين وفتحها.