عالما بمآل الأمور، وأما العالم ذلك؛ فإنما تتبدّل خطاباته بحسب تبدّل المصالح، كالطبيب المراعي أحوال العليل فراعى ذلك في خليقته بمشيئته وإرادته، لا إله إلا هو، فخطابه يتبدّل، وعلمه، وإرادته لا تتغيّر، فإن ذلك محال في حقّه تعالى. وجعلت اليهود النسخ، والبداء شيئا واحدا، ولذلك لم يجوّزوه فضلّوا.

قال النحّاس: والفرق بين النسخ، والبداء: أن النسخ تحويل العباد من شيء إلى شيء، قد كان حلالا، فيحرم، أو كان حراما، فيحلل، وأما البداء فهو ترك ما عزم عليه، لظهور المصلحة في الترك، كقولك: امض إلى فلان اليوم، ثم تقول لا تمض إليه، فيبدو لك العدول عن القول الأول، وهذا يلحق بالبشر، لنقصانهم. وكذلك إن قلت: إزرع كذا في هذه السنة، ثم قلت: لا تفعل، فهذا هو البداء. واعلم أنّه لا يمنع جواز النسخ عقلا لوجهين:

أحدهما: أنّ للآمر أن يأمر بما شاء.

وثانيهما: أنّ النفس إذا مرنت على أمر ألفته، فإذا نقلت عنه إلى غيره شقّ عليها؛ لمكان الاعتياد المألوف، فظهر منها بإذعان الانقياد لطاعة الأمر. وقد وقع النسخ شرعا؛ لأنه ثبت أنّ من دين آدم عليه السلام في طائفة من أولاده، جواز نكاح الأخوات، وذوات المحارم، والعمل في يوم السبت، ثم نسخ في شريعة الإسلام، كما مرّ آنفا.

واعلم: أنّ الناسخ في الحقيقة: هو الله سبحانه وتعالى،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015